top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

أعلام/ د. عبد القادر فارس: محمود درويش: الشاعر والإنسان والسياسي!!


محمود درويش
محمود درويش

د. عبد القادر فارس
د. عبد القادر فارس - كندا

   أعلام/ د. عبد القادر فارس: محمود درويش: الشاعر والإنسان والسياسي!!

 ‬في‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس ‭ ‬،‭ ‬أحيا‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ومحبو‭ ‬الشعر‭ ‬والأدب‭ ‬والثقافة،‭ ‬الذكرى‭ ‬الثالثة‭ ‬عشرة‭ ‬لرحيل‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬الذي‭ ‬ولد‭ ‬يوم‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬1941‭ ‬في‭ ‬الجليل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأشم،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬العجالة‭ ‬أقدم‭ ‬عن‭ ‬درويش‭ ‬بعض‭ ‬اهتماماته‭ ‬ونوادره‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الأدبية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية،‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬محاور‭: ‬

أولا‭/ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬الشاعر‭:‬

‭ ‬اللغة‭ ‬والكتابة‭: ‬‭ ‬كان‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬يمتلك‭ ‬لغة‭ ‬فارهة،‭ ‬ويجترح‭ ‬صورا‭ ‬شعرية‭ ‬"‭ ‬طازجة‭ ‬"‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬وكان‭ ‬مسكونا‭ ‬بــ‭ ‬"‬التجريب"‭ ‬‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الجديد‭ ‬والتجديد‭ ‬المدهش‭ ‬والحداثة‭ ‬لغة‭ ‬ومضمونا،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬ديوان‭ ‬له‭ ‬يتضمن‭ ‬تجربة‭ ‬مغايرة‭ ‬لسابقتها،‭ ‬فهو‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬دائما‭ ‬أن‭ ‬أجمل‭ ‬قصيدة‭ ‬هي‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكتبها‭ ‬بعد‭. ‬رغم‭ ‬ميول‭ ‬درويش‭ ‬اليسارية،‭ ‬ونشأته‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي،‭ ‬كان‭ ‬قارئا‭ ‬جيدا‭ ‬للقرآن،‭ ‬وقد‭ ‬تجلت‭ ‬اللغة‭ ‬القرآنية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬نصوصه‭ ‬المرموقة،‭ ‬كقصيدة‭ ‬"‬أخوة‭ ‬يوسف ‬"‬وقصيدة‭ ‬"‭ ‬الهدهد‭ ‬“‭ ‬و"‬القربان"‭ ‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القصائد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬اللغة‭ ‬القرآنية‭ ‬تمتاز‭ ‬بالروعة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الأحاديث‭ ‬النبوية،‭ ‬ومن‭ ‬يقرأ‭ ‬قصيدته‭ ‬المطولة‭ ‬"‭ ‬الجدارية‭ ‬"‭ ‬يلمس‭ ‬ذلك‭ ‬عميقا. ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬كان‭ ‬منفتحا‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬العالم،‭ ‬والتجليات‭ ‬الإبداعية‭ ‬العالمية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ظل‭ ‬متشبثا‭ ‬بالتراث‭ ‬العربي‭ ‬عميقا،‭ ‬فديوان‭ ‬"‭ ‬جده‭ ‬"‭ ‬أبو‭ ‬الطيب‭ ‬المتنبي‭ ‬كان‭ ‬صديقا‭ ‬ملازما‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬حله‭ ‬وترحاله،‭ ‬ولشعر‭ ‬المتنبي‭ ‬حضور‭ ‬مضيئ‭ ‬ومميز‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬درويش،‭ ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬قصيدته‭ ‬الرائعة‭ ‬"هجرة‭ ‬المتنبي‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬ورحيله‭ ‬عنها‭ ‬“،‭ ‬وتضميناته‭ ‬الواعية‭ ‬والمبدعة‭ ‬لجمر‭ ‬ذلك‭ ‬العملاق‭ ‬الكبير،‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬متوهجة‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬درويش‭. ‬اعتاد‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬الكتابة‭ ‬بقلم‭ ‬الحبر‭ ‬السائل،‭ ‬وخطه‭ ‬جميل‭ ‬وأنيق،‭ ‬وهو‭ ‬بدون‭ ‬الكتابة‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأقلام‭ ‬لا‭ ‬يحس‭ ‬بالكتابة،‭ ‬أو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬يكتبه‭ ‬بقلم‭ ‬لم‭ ‬يتعود‭ ‬الكتابة‭ ‬به‭ ‬نص‭ ‬ليس‭ ‬جميلا‭ ‬وليس‭ ‬ناضجا،‭ ‬فالحبر‭ ‬السائل‭ ‬يجعله‭ ‬يثق‭ ‬فيما‭ ‬يكتب‭. ‬وهذا‭ ‬يذكرني‭ ‬بحوار‭ ‬صحفي‭ ‬أجريته‭ ‬مع‭ ‬الروائي‭ ‬الجزائري‭ ‬الكبير‭ ‬الدكتور‭ ‬واسيني‭ ‬الأعرج‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬لي ‬" ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أكتب‭ ‬إلا‭ ‬بقلم‭ ‬الحبر‭ ‬السائل،‭ ‬وباللون‭ ‬الأسود‭ ‬تحديدا،‭ ‬لأنني‭ ‬أشعر‭ ‬أنني‭ ‬أكتب‭ ‬بمداد‭ ‬دمي،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أشعر‭ ‬بالكتابة‭ ‬على‭ ‬الآلة‭ ‬الكاتبة‭ ‬أو‭ ‬الحاسوب،‭ ‬بأنني‭ ‬أكتب‭ ‬نصا‭ ‬أدبيا‭ ‬من‭ ‬دواخلي". ‬ومحمود‭ ‬درويش‭ ‬كان‭ ‬مبدعا‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬النثر‭ ‬بالدرجة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬أبدع‭ ‬فيها‭ ‬بالشعر،‭ ‬فلغته‭ ‬النثرية‭ ‬أنيقة‭ ‬وعميقة‭ ‬ومشرقة‭ ‬دائما،‭ ‬وعندما‭ ‬نقرأ‭ ‬‭ ‬"الرسائل"‭ ‬‭ ‬التي‭ ‬تبادلها‭ ‬مع‭ ‬شاعرنا‭ ‬الكبير‭ ‬سميح‭ ‬القاسم،‭ ‬نكتشف‭ ‬عمق‭ ‬اللغة‭ ‬وحلاوتها،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬تقريبا‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬والنثر‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬يحب‭ ‬التأمل،‭ ‬فكان‭ ‬يمشي‭ ‬متأملا‭ ‬في‭ ‬‭ ‬"حديقة‭ ‬" مثلا،‭ ‬فالمشي‭ ‬وحيدا‭ ‬وهادئا‭ ‬يجعله‭ ‬يقتنص‭ ‬صورا‭ ‬جديدة،‭ ‬ويشعل‭ ‬فيه‭ ‬الشرارة‭ ‬الأولى‭ ‬للكتابة‭ ‬الزاخرة‭ ‬بالحياة‭ ‬والأمل‭.‬


الوقت‭ ‬والقراءة‭:‬ ‬ من‭ ‬عادات‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬أنه‭ ‬يخصص‭ ‬وقتا‭ ‬من‭ ‬النهار‭ ‬للقراءات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بالجافة،‭ ‬مثل‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬السياسة،‭ ‬فيما‭ ‬يخصص‭ ‬وقتا‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬لقراءة‭ ‬الشعر‭ ‬أو‭ ‬كتابته،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬ذلك‭ ‬لمزاجه‭ ‬الشخصي،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬يذكرنا‭ ‬بسيد‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬صاحب‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬الكاتب‭ ‬الكبير‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭. ‬فمحمود‭ ‬درويش‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬للصدف،‭ ‬بل‭ ‬يخضع‭ ‬ذلك‭ ‬لإرادته‭ ‬الصارمة،‭ ‬ولهذا‭ ‬تطور‭ ‬درويش‭ ‬وأنتج‭ ‬وأبدع،‭ ‬وظلت‭ ‬في‭ ‬حوزته‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬الكتابة‭ ‬الشعرية‭ ‬العميقة‭ ‬والمدهشة. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬درويش‭ ‬وبحكم‭ ‬نشأته‭ ‬الأولى،‭ ‬وبقائه‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬مغادرتها‭ ‬عام‭ ‬1972،‭ ‬كان‭ ‬قارئا‭ ‬جيدا‭ ‬لــ ‭" ‬التوراة"‭ ‬،‭ ‬واستفاد‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬لغتها‭ ‬وفضاءاتها‭ ‬المضمونية،‭ ‬ومناخاتها‭ ‬وظلالها،‭ ‬وخلفيتها‭ ‬التاريخية‭. ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬يقرأ‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وفي‭ ‬التاريخ‭ ‬الإنساني‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬وهو‭ ‬قارئ‭ ‬شغوف‭ ‬للأساطير‭ ‬الكونية،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬اطلاع‭ ‬واسع‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬الشعوب‭ ‬وآدابها،‭ ‬مثل‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬وخطبهم‭ ‬ونصوصهم‭ ‬الإنسانية‭.‬

ثانيا‭ / ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬الإنسان:‬‭ ‬كان‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالفوضى‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬ولا‭ ‬بالصعلكة‭ ‬الفارغة،‭ ‬ولا‭ ‬بجلسات‭ ‬المقاهي،‭ ‬حيث‭ ‬إنتاج‭ ‬الثرثرة‭ ‬والتنظير‭ ‬العقيم‭ ‬وهدر‭ ‬الوقت‭. ‬فوقت‭ ‬شاعر‭ ‬كبير‭ ‬بقامة‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬ثمين‭ ‬للغاية،‭ ‬ولهذا‭ ‬حرص‭ ‬أن‭ ‬يستثمره‭ ‬بطريقة‭ ‬منظمة،‭ ‬وبأسلوب‭ ‬حياة‭ ‬منضبط،‭ ‬فهو‭ ‬يقرأ‭ ‬في‭ ‬موعد،‭ ‬ويكتب‭ ‬في‭ ‬موعد،‭ ‬ولا‭ ‬يستقبل‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬أحدا،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬صديقا‭ ‬حميما‭ ‬جدا‭. ‬ينهض‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬باكرا،‭ ‬وحين‭ ‬يعود‭ ‬للبيت‭ ‬يطهو‭ ‬طعامه‭ ‬بنفسه،‭ ‬ومن‭ ‬طرائف‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬الطعام‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬طعاما‭ ‬تدخل‭ ‬فيه‭ ‬“‭ ‬الكزبرة‭ ‬“‭ ‬فهو‭ ‬يضيق‭ ‬ذرعا‭ ‬برائحتها‭. ‬وكان‭ ‬درويش‭ ‬يخلد‭ ‬للقيلولة‭ ‬لمدة‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬تحديدا،‭ ‬فنصف‭ ‬الساعة‭ ‬هذه،‭ ‬في‭ ‬رأيه،‭ ‬تكفي‭ ‬لاستعادة‭ ‬الحيوية‭ ‬والنشاط،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬زاد‭ ‬وقت‭ ‬القيلولة‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬يستحيل‭ ‬مرضا‭ ‬وخمولا‭.‬

المرأة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬درويش‭: ‬هي‭ ‬الأم،‭ ‬الحبيبة،‭ ‬الجمال،‭ ‬الدفء،‭ ‬الحلم،‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬شعره،‭ ‬وكتب‭ ‬فيها‭ ‬أعذب‭ ‬النصوص،‭ ‬وأكثرها‭ ‬جمالا،‭ ‬ونالت‭ ‬شهرة‭ ‬وانتشارا‭ ‬كبيرا،‭ ‬وحظوة‭ ‬عند‭ ‬القارئ‭ ‬والمتلقي‭. ‬فأمه‭ ‬السيدة‭ ‬“‭ ‬حورية‭ ‬“‭ ‬ظلت‭ ‬حاضرة‭ ‬اسما‭ ‬صريحا،‭ ‬وصفاتٍ‭ ‬ورائحة‭ ‬وذكرى،‭ ‬وذاعت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬قصائده‭ ‬التي‭ ‬تغني‭ ‬فيها‭ ‬بأمه‭ ‬طويلا‭ ‬وعميقا،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬قصيدته‭ ‬الشهيرة‭ ‬"‭ ‬أحن‭ ‬إلى‭ ‬خبز‭ ‬أمي"‭،‬ التي‭ ‬غناها‭ ‬الفنان‭ ‬اللبناني‭ ‬المبدع‭ ‬والملتزم‭ ‬مارسيل‭ ‬خليفة،‭ ‬والتي‭ ‬يحفظها‭ ‬الكثيرون‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭.‬


محمود درويش

المرأة‭ / ‬الزوجة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬محمد‭ ‬درويش‭ : ‬كانت‭ ‬محض‭ ‬وجود‭ ‬سريع‭ ‬الزوال،‭ ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬عصبيته‭ ‬المفرطة‭ ‬وغضبه‭ ‬السريع،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬قلقه‭ ‬الدائم،‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬دائمة‭ ‬للمبدع‭ ‬الحقيقي. ‬تزوج‭ ‬درويش‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الكاتبة‭ ‬السورية‭ ‬رنا‭ ‬صباح‭ ‬قباني‭ ‬وهي‭ ‬ابنة‭ ‬شقيق‭ ‬الشاعر‭ ‬السوري‭ ‬الكبير‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬لكن‭ ‬زواجه‭ ‬ذلك‭ ‬مني‭ ‬بالفشل،‭ ‬ولم‭ ‬يستمر‭ ‬طويلا،‭ ‬وقالت‭ ‬مطلقته‭ ‬السيدة‭ ‬الدمشقية‭: ‬ "إن‭ ‬محمود‭ ‬لم‭ ‬يخلق‭ ‬ليكون‭ ‬زوجا‭ ‬ورب‭ ‬أسرة‭ ‬وأبا،‭ ‬فهو‭ ‬شاعر‭ ‬رائع،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬زوج‭ ‬فاشل".‭ ‬أما‭ ‬الزواج‭ ‬الثاني‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬الفنانة‭ ‬والمترجمة‭ ‬المصرية‭ ‬حياة‭ ‬الهيني‭ ‬واستمر‭ ‬لعدة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬وانفصلا‭ ‬بعدها. ‬وكان‭ ‬درويش‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬الزواج‭ ‬ ‬ "المؤسسة‭ ‬الزوجية‭ ‬قيد‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبتعد‭ ‬عنها‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬بذرة‭ ‬فن‭ ‬أو‭ ‬إبداع".

‬رغم‭ ‬زواج‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬مرتين،‭ ‬لكنه‭ ‬عايش‭ ‬حياة‭ ‬العازب،‭ ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يطهو‭ ‬الطعام‭ ‬بنفسه،‭ ‬واشتهر‭ ‬بولعه‭ ‬في‭ ‬شرب‭ ‬القهوة،‭ ‬وله‭ ‬طقوس‭ ‬خاصة‭ ‬لها،‭ ‬فهو‭ ‬يعدها‭ ‬بيده‭ ‬ويتفنن‭ ‬في‭ ‬إعدادها‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬وعلى‭ ‬نار‭ ‬هادئة،‭ ‬ولا‭ ‬يشربها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬فنجان‭ ‬أبيض،‭ ‬وباتت‭ ‬القهوة‭ ‬دليله‭ ‬إلى‭ ‬عادات‭ ‬الناس‭ ‬وتفاصيل‭ ‬حياتهم،‭ ‬فمثلا‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬تناول‭ ‬قهوة‭ ‬ذات‭ ‬رائحة‭ ‬ما‭ ‬والتقط‭ ‬معها‭ ‬رائحة‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬سيدة‭ ‬البيت‭ ‬مهملة،‭ ‬وبيتها‭ ‬غير‭ ‬مرتب،‭ ‬ومطبخها‭ ‬نهب‭ ‬للفوضى‭ ‬وهكذا‭ ‬دواليك‭ ‬باقي‭ ‬الأشياء‭.‬

المرأة‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش:‭ ‬كانت‭ ‬المرأة‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬آنفا‭ ‬هي‭ ‬الجمال‭ ‬والدفء،‭ ‬والوجود‭ ‬الفاتن‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬درويش،‭ ‬وكان‭ ‬منها‭ ‬مثلا‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الحصر‭ ‬ "‬امرأة‭ ‬تدخل‭ ‬الأربعين‭ ‬بكامل‭ ‬مشمشها"،‭ ‬و"امرأة‭ ‬تتشمس‭ ‬في‭ ‬نفسها"،‭ ‬وقصيدته‭ ‬الشهيرة‭ ‬"ريتا‭ ‬والبندقية"،‭ ‬التي‭ ‬غناها‭ ‬مارسيل‭ ‬خليفة‭ ‬أيضا،‭ ‬ونالت‭ ‬شهرة‭ ‬كبيرة‭ ‬منذ‭ ‬بداياته‭ ‬المثيرة‭.‬

ثالثا‭ / ‬محمود‭ ‬درويش‭ .. ‬القضية‭ ‬والسياسة: ‬‭ ‬دخل‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬معترك‭ ‬السياسة‭ ‬منذ‭ ‬ريعان‭ ‬شبابه،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مناضلا‭ ‬سياسيا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متنفسا‭ ‬للمناضلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وبسبب‭ ‬نشاطه‭ ‬السياسي‭ ‬اعتقل‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬الاحتلال‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬ثم‭ ‬طرد‭ ‬من‭ ‬أرضه،‭ ‬وتنقل‭ ‬من‭ ‬منفى‭ ‬إلى‭ ‬منفى،‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬والعواصم،‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬عمان‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬وعدن‭ ‬وتونس،‭ ‬وباريس‭ ‬وروما‭ ‬وهلسنكي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬المنفى‭ ‬والشتات،‭ ‬وقد‭ ‬تركت‭ ‬مدن‭ ‬كثيرة‭ ‬بصماتها‭ ‬وظلالها‭ ‬وجروحها‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مدنا‭ ‬كثيرة‭ ‬أفاد‭ ‬منها‭ ‬كثيرا،‭ ‬ثقافيا‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬واكتشف‭ ‬فيها‭ ‬غربة‭ ‬الروح،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬غربة‭ ‬الوطن،‭ ‬فاتخذ‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬مقر‭ ‬إقامة‭ ‬ووطنا،‭ ‬ولهذا‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اللغة‭ ‬جميلة‭ ‬ومدهشة‭ ‬وغنية‭ ‬بالحياة،‭ ‬والاحتمالات‭ ‬والأحلام‭ ‬والألم‭ ‬الصعب‭. ‬ارتبط‭ ‬اسم‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ارتباطا‭ ‬عميقا، ‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حساده‭ ‬إلى‭ ‬إرجاع‭ ‬شهرته‭ ‬العريضة‭ ‬والطاغية،‭ ‬إلى‭" ‬القضية"‭ ‬،‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬شاعرية‭ ‬حقه،‭ ‬وموهبة‭ ‬فذة،‭ ‬وثقافة‭ ‬غنية،‭ ‬وحس‭ ‬مرهف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الشاعر‭ ‬العراقي‭ ‬الكبير‭ ‬سعدي‭ ‬يوسف‭ ‬يرفع‭ ‬الصوت‭ ‬عاليا،‭ ‬لرفع‭ ‬الظلم‭ ‬الفادح‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بمحمود‭ ‬درويش،‭ ‬وأطلق‭ ‬صرخته‭ ‬الشهيرة‭ ‬قائلا:‭" ‬‭ ‬ليس‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬من‭ ‬يتكئ‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إنما‭ ‬القضية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتكئ‭ ‬على‭ ‬الشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش". ‭‬ودرويش‭ ‬ضاق‭ ‬ذرعا‭ ‬من‭ ‬حشره‭ ‬حشرا‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬"‭ ‬شعراء‭ ‬المقاومة".‭ ‬ ‬فصرخ‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬صرخته‭ ‬المدوية‭ ‬"ارحمونا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحب"،‭ ‬رافضا‭ ‬المدائح‭ ‬التمجيدية‭ ‬التي‭ ‬يسكبها‭ ‬النقاد‭ ‬والكتاب‭ ‬والشعراء‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬الشعراء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بوصفهم‭ ‬"شعراء‭ ‬مقاومة"‭ ‬يستحقون‭ ‬التأييد‭ ‬والمساندة. ‬وكما‭ ‬فشل‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬الزواج‭ ‬والإبداع،‭ ‬فقد‭ ‬فشل‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬والسياسة،‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬ "يحمل‭ ‬بطيختين‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬واحدة"‭ ‬‭. ‬كما‭ ‬قال‭ ‬هو‭ ‬ذات‭ ‬مرة،‭ ‬فترك‭ ‬السياسة‭ ‬لأصحابها،‭ ‬وعزف‭ ‬عن‭ ‬المناصب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬المراتب‭ ‬السياسية،‭ ‬فكان‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ورئيسا‭ ‬لدائرة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬المنظمة،‭ ‬فترك‭ ‬المناصب‭ ‬السياسة‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬واستقال‭ ‬من‭ ‬عضوية‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ارتبط‭ ‬بعلاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬ووطيدة‭ ‬وحميمة‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬ياسرعرفات،‭ ‬وقال‭ ‬عنه‭ ‬إنه‭ ‬يخبئه‭ ‬في‭ ‬القلب،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬بيان‭ ‬الاستقلال،‭ ‬الذي‭ ‬قرأه‭ ‬أبو‭ ‬عمار‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬اجتماع‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬نوفمبر‭ ‬1988‭.‬لجأ‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬للشعر‭ ‬لكي‭ ‬يحتمي‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬السياسة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬القلب‭ ‬العاشق‭ ‬لفلسطين،‭ ‬عن‭ ‬نبض‭ ‬الشعر،‭ ‬ويدفن‭ ‬جسد‭ ‬صاحب‭ ‬ديوان‭ ‬"‭ ‬عاشق‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬"‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬رام‭ ‬الله،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬العاشق‭ ‬الكبير‭ ‬رمز‭ ‬فلسطين‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات،‭ ‬الذي‭ ‬سبقه‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بأربع‭ ‬سنوات،‭ ‬وكأنما‭ ‬أراد‭ ‬القدر‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬القامتين‭ ‬الكبيرتين‭ ‬في‭ ‬تراب‭ ‬فلسطين‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬الشاقة‭ ‬والشيقة‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬فلسطين‭. ‬


٠ تعليق

Comments


bottom of page