top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

الغثيان - سامح أدور سعد الله - مصر - قصة قصيرة


القاص المصري سامح أدور سعد الله
القاص المصري سامح أدور سعد الله

الغثيان - سامح أدور سعد الله - مصر - قصة قصيرة

 انتهى العمل وأغلقتُ باب الدكان، ذهبتُ إلى الفرن، اشتريت أربعة أرغفة، بعد ذلك أخذت الأتوبيس رقم سبعة وسبعين، أخرجتُ الأجرة ودفعتها للمحصل، لم أحظ بمقعد، لا مشكلة، وصل الأتوبيس إلى أول الشارع الذي يوجد فيه بيتي، نزلت منه ودخلتُ مطعمًا يذكرني بأيام الطفولة. اشتريت أربع بيضات وبعض الفول ورجعتُ إلى البيت، قد حل الليل وأَظلمت الحياة. هذا هو الجزء الأخير من اليوم الطويل المُمل. تناولتُ عشائي، رغيفي خبز وبيضتين ونصف الفول، ثم قمت أغسل يدي ووجهي وفمي بالترتيب، هذا ما علمتني إياه أمي منذ كنت طفلًا. كل الأطفال تحاكي آباءها، إلا أنا، يبدو أن أمي كانت تعرف جيدًا أنها سوف ترحل سريعًا، لذلك أرضعتني سلوكيات النظافة مع حليبها.

   أعددتُ القهوة، شربتها ساخنة، بينما أتابع نشرة الأخبار اليومية الروتينية، داعبت دُميتي القديمة ثم خرجتُ إلى شرفتي وتابعت البشر وهم في حركات مستمرة عشوائية، وهم يسيرون في خطوط مستقيمة ومتعرجة لمدة نصف ساعة، عدتُ إلى الداخل، ذهبتُ إلى فراشي وقرأت أجزاء من كتابِي العتيق ذي الأوراق البالية من كثرة تقليب الورق وقراءته، ثم خطفني النوم سريعًا.

استيقظت صباحًا، كالعادة، تناولت إفطاري، عبارة عن البيضتين الأخريين، والنصف الباقي من طبق الفول، احتسيت كوبًا من الشاي الممزوج بالحليب والسكر، كان كثيرًا في قاع الكوب، لماذا؟  لأنّي لَم أقلب السكر ربما لأن ليس معي ملعقة أو كسل.

وسمعت الأخبار أيضًا، ولكن هذه المرة لَم تكن من التلفاز، ولكن من صوت المذياع، والبرامج كما هي بالترتيب، من نشرة أخبار السادسة صباحًا حتى أغنية فايزة أحمد (بالسلامة يا حبيبي بالسلامة) وعندها أتذكر عندما كنت طفلًا وقد أعدّ لي والدي كل شيء يخص المدرسة: الإفطار والحقيبة. هو الآخر رحل مبكرًا، حينها لم أبلغ التاسعة من عمري، عندما قال لي: بني هذه هي المرة الأخيرة التي نتحدث فيها معًا، كن شجاعًا وقويًا، ثم مات أبي وصرت وحيدًا إلى هذا اليوم.

 أخرج من البيت وأذهب إلى الدكانِ وأفتحه، الذي يصدر نفس الصرير والكركبة العالية، فمنذ زمن لَم يتم تشحيم الباب أو تزييته؛ ولكن لماذا؟ لا أعرف .............

واتواجد في الدكان حتى الثانية ظهرًا، أحضر طاجنًا جاهزًا ورغيفين من خبز الفينو ذي الرائحة الأخاذة.

وبعدما تنقضي الساعات الطويلة الروتينيّة الكئيبة، ينتهي العمل بعد صبر مُمل، فهذا الدكان لا يدخل فيه أحد ولا يخرج، أغلق باب الدكان. هكذا تمرّ الأيام دواليك، لكن ذات مرة عندما جئت إليه صباحًا لَم أجد الدكان، ولكن وجدتُ بابه وعليه اليافطة مكتوب عليها اسم جدي، شعرت بالضيق ورغم ذلك نظرت خلف الباب، لم أجد شيئًا، حاولتُ الاستفسار عن السبب من جيراني في الحي الذي فيه الدكان، لَم يجبني أحد أبدًا.

وقفت أتابع الموقف لعلي أجد الدكان، هيهات أن أجد أي دليل واقتربت من هؤلاء البشر الذين هم في الحوانيت المجاورة، كانوا أصنامًا بشفاه دائرية وعيون شاخصة وأنوف بارزة لا تتكلم أبدًا، وانتظرت إلى أن تنقضي ساعات العمل حتى عدتُ إلى منزلي مكررًا نفس السيناريو كل يوم، والذي لم يتغير أبدًا.

وأخيرًا قررت أن أغير روتين الحياة التي عشتها أكثر من ألفي سنة، وذهبتُ مُبكرًا للحي لأغير نشاط الدكان، وعندما وصلت، صدمت! شعوري بالندم لم يكن كفاية، فما صنعته طوال فترات حياتي لا يجدي شيئًا، ماذا فعلت؟!!!!!

ولكن لماذا صدمت وقد كان هذا هو الأمر المتوقع؟

 

٠ تعليق

Comments


bottom of page