ألوان وخطوط حلمي التوني.. تنتصر للحب
ألوان وخطوط حلمي التوني.. تنتصر للحب - شريف صالح - مصر
احتفل الفنان التشكيلي المصري حلمي التوني، في أبريل الماضي، بعيد ميلاده الثمانين، قضى عقودًا منها رسامًا ومصممًا مرموقًا للأغلفة والكتب. ويمتلك في رصيده عشرات المعارض والمهرجانات، ومئات اللوحات التي تقتنيها المؤسسات المصرية والعربية.. وما لا يقل عن ثلاثة آلاف كتاب حملت توقيعه وخطوطه وريشته إضافة إلى المجلات، ومنها مجلة العربي العريقة.
من يلتقي التوني مباشرة سيجد رجلًا بشوشًا خفيف الظل شديد الأناقة، وتنعكس شخصيته تلك على لوحاته، هدوءًا وجمالًا وحبًا للحياة. كما نجح عبر رحلته الطويلة أن يبتكر لنفسه أسلوبًا أو بصمة خاصة به. فمن يطالع لوحاته أو أغلفته لن يحتاج للبحث عن توقيعه، بل يكفي أن ينتبه إلى الموتيفات الحاضرة دائمًا.. وعلى رأسها المرأة التي تحضر حضورًا حسيًا بجسد في الملاءة اللف، أو منديل الرأس المطرز بوردة.. أو تحضر أجزاء من الجسد المفعم بالحياة والحب والجمال، خصوصًا اتساع العينين. قد تكون المرأة متوارية في النافذة أو خلف المشربية المصنوعة من الأرابيسك أو بجوار فرس. لأن التوني يحرص أن يستلهم نساء الحارة الشعبية والزمن الماضي قبل أن يتم تذويب الهوية المصرية والعربية في قطار العولمة، حيث انمحت الملابس التي تميز هويتنا وتفاصيل الأنوثة انقلبت على تراثها لمصلحة شركات التجميل العالمية.
كل لوحة لحلمي التوني هي قصة حب، مطرزة بتلك الألوان المبهجة القوية كالأخضر والأحمر والأزرق.. لون حمرة الشمس والسماء الصافية وخضرة الحقول. وفي بعض الأحيان يكرس لمعنى الحب في صيغته المباشرة حيث تحتل المساحة تلك اللحظة الحميمة بين رجل وامراة.
ومثلما يؤطر المرأة في هوية شعبية فإنه يفعل الأمر نفسه مع الرجل الذي يظهر بشارب كبير وجلباب وطربوش وهو يهدي لها قلادة أو وردة.
لا نبالغ إذا قلنا إن لوحات التوني تدور في كون الأنثى ومخيالها، وحافلة بالمنمنات والأيقونات الدالة على الحب، مثل: الأهلة المضيئة، والورد، والنجوم، والقلائد، والأساور.
ولعل ميزة التوني أن لوحاته توحي بالواقعية وهي ليست كذلك، وإنما هي أقرب إلى الفانتازيا والخيال الطفولي. لا تغرق في الغموض على طريقة السرياليين وإنما توظف غرائبية العلاقات داخل التكوين لخدمة الفكرة التعبيرية وهو يتتبع حالات الحب بين الكائنات وليس المرأة والرجل فقط.
ومثلما يستلهم التوني الهوية الشعبية بلمسة سحرية سريالية، فإنه أيضًا يحافظ دومًا على هويتها الفنية البصرية ويعيد اللعب بموتيفاته مع تغيير الزوايا والنسب. قد تكبر النجمة وتصغر المرأة أو العكس. قد تبدو المرأة نصف فرس أو تتماهى مع سمكة. والسمكة رمز أنثوي دال على الخصوبة.
وهنا تظهر تأثيرات الفن المصري القديم إما عن طريق استلهام الملامح والجداريات وكيف تبدت فيها وجوه النساء والرجال.. وإما عن طريق الموتيفات الكثيرة المصاحبة لشخصياته والتي تذكرنا بالرسم الجداري لدى المصريين القدماء.
هذا التناص وإعادة استلهام تراث الأجداد يتم عن وعي وقصد ليؤكد الفنان أنه ابن حضارة عظيمة تركت إرثًا بصريًا مدهشًا وملهمًا عبر ألاف السنين، ومن ثم فهو لا يحتاج إلى تقليد الغرب واستنساخه.
وقد حمل معرضه الأخير عنوانًا مستلهمًا من فيلم عبد الوهاب الشهير "يحيا الحب". فهل يبحث التوني عن الحب أم يدعونا للتمسك به قيمةً ورؤية للوجود؟
على الأرجح يؤمن التوني فلسفيًا، وتعكس لوحاته جماليًا، اللحظات السعيدة في وجودنا الإنساني، ولا تتوافر تلك السعادة إلا في حالة حب.
هل يعني ذلك أنه لا يدرك ما في الواقع من قبح ومآسٍ وحروب ومجاعات؟ هل يهرب الفنان من كل ذلك نحو تصورات مثالية زائفة؟
الإجابة باختصار أن التوني لا ينفصل عن واقعه ولا عن عصره، ولكنه يؤمن أن كل مآسي الإنسان هي نتاج غروره وجشعه وأنانيته، وثمرة افتقاده إلى الحب. وهكذا تعكس لوحاته، بل مسيرته الفنية كلها، جملة إيليا أبي ماضي الشهيرة "كن جميلًا ترى الوجود جميلًا".
Comentarios