أحمد عبد المعطي حجازي
· الشعر هو أعلى ما وصل إليه الإنسان
· بدأت في الريف باللعب بالطمي وحاولت أن أكون نحاتًا.. كما تعلمت العزف على الكمان
· آبائي هم الرومنطيقيون المصريون والعرب وفي مقدمتهم علي محمود طه وإبراهيم ناجي ومحمود حسن إسماعيل والشابي" وإلياس أبو شبكة
· وصفتُ القاهرة بأنها مدينة بلا قلب لأني كنت غريبًا فيها وأنا شاب في العشرين
· بحثت عن فرصة عمل في الصحافة عام 1955 أولًا في دار الهلال ثم انتقلت إلى روز اليوسف
· اشتباكي مع العقاد كان جولة من جولات مسيرتنا في حركة التجديد.. وآذاني أن يمنعني من قراءة قصيدتي في سوريا
حاوره: د. رضا عطية - مصر
أحمد عبد المعطي حجازي: الشعر هو أعلى ما وصل إليه الإنسان..
يتجاوز أحمد عبد المعطي حجازي كونه أحد أبرز رواد شعر الحداثة العربية، إلى أنه صاحب بصمة إبداعية لها فرادتها واتجاهات فكرية وفلسفة شعرية؛ إذ يمتلك رؤية خاصة في الشعر ومدرسة لها خصوصيتها الجمالية في تاريخ الشعر العربي، وإلى جانب إبداعه الشعري الذي أبرز اسمه كشاعر له بصمته المميزة منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين ومنذ ديوانه الأول، مدينة بلا قلب، الذي بقى من عيون شعر الحداثة العربية بعد مرورو 65 سنة على نشره في عام 1959- هو صاحب مساهمات متنوعة كمفكر وتنويري وقومي عروبي وصاحب فلسفة خاصة في تذوق الأدب والإبداع تمثلت في كتبه ومقالاته في الأدب قديمه وحديثه، مثل: قصيدة لا - قراءة في شعر التمرُّد والخروج، حديث الثلاثاء، أحفاد شوقي، الشعر رفيقي، قصيدة النثر: أو القصيدة الخرساء، قال الراوي، وغيرها.
-لماذا كان اختيارك للشعر- دون غيره من فنون الإبداع- وسيلة جمالية للتعبير عنك وعن همومك وأحلامك؟
علاقتي بالشعر لم تبدأ بأني اخترته، وإنما بدأت بحثًا عن أداة تعبير واعتراف وإفصاح عما كان بداخلي. بدأت وأنا في حوالي الثانية عشرة أو قبل ذلك أبحث عن طريقة لأجرب فيها مواهبي. في البداية حاولت أن أكون نحاتًا وطبعًا بدأت في الريف باللعب بالطمي. بعد ذلك عندما بدأت حياتي الدراسية شجعني الأستاذ الذي كان يعطينا دروسًا في الفن أو في الرسم بالتحديد على أني أجرب أيضًا النحت عن طريق الصلصال، في مرحلة تالية بدأت أتعلم الموسيقى واخترت الكمان وسرت شوطًا في تعلم الموسيقى؛ فأصبحت أقرأ النوتة وأعزف وكنت أحمل آلة الكمان وأنا عائد من مدرسة المعلمين إلى بيتي وآخذها معي ثانية إلى المدرسة حتى ظن أهل البلد أني سأشتغل بالموسيقى.
ومتى توثقت علاقتك بالشعر العربي ؟
بدأت علاقتي بالشعر العربي تتوثق بأن أصبحت قارئًا للشعر وانتقلت من المقررات التي كانت موجودة في البرامج الدراسية إلى أن أبحث عن الشعراء الذين وجدت أنهم قريبون إليَّ: علي محمود طه، إبراهيم ناجي وأبو القاسم الشابي، الرومنطيقيون. في هذه المرحلة خضت أول تجربة عاطفية وأنا في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة.. كذلك عرفت عددًا من أبناء البلدة يجربون نظم الشعر وبدأت التجربة ووجدت نفسي أتقدم أولاً بامتلاك الأدوات خصوصًا العروض وبعد ذلك بامتلاك نفسي بمعنى أني كنت أجد نفسي بالفعل، أجد عواطفي ومشاعري في القصيدة التي أكتبها، من هنا صارت علاقتي بالشعر علاقة حميمة. لم يعد الشعر بعيدًا عني أصبح هو لغتي أصبح قريبًا ولم تعد لي لغة أخرى.
آبائي
من هم آباؤك في الشعر؟ هل هناك مصادر أخرى غير شعراء الرومانتكيين؟
أستطيع أن أقول إنَّ آبائي في الشعر هم الرومنطيقيون المصريون والعرب عامةً. يعني في المقدمة علي محمود طه وإبراهيم ناجي ومحمود حسن إسماعيل، لكني كذلك تأثرت وأحببت "أبو القاسم الشابي" وإلياس أبو شبكة اللبناني والمهجريين خصوصُا إيليا ابو ماضي لكن هناك شاعرًا كان له أكبر الأثر في بداياتي وفي تجاربي الأولى وهذا ظاهر في قصائدي الأولى هذا الشاعر هو محمود حسن إسماعيل.
ما هي الروافد المعرفية والثقافية التي شكلت وجدانك الإبداعي وصاغت وعيك الجمالي في حداثة عمرك؟ هل هناك قراءات غير الشعر؟
في ذلك الوقت كنت أقرأ لكتاب ناثرين، كنت أقرأ في البداية لمصطفى لطفي المنفلوطي بعد ذلك انتقلت إلى مصطفى صادق الرافعي ثم أصبحت أقرأ لتوفيق الحكيم وطه حسين وعبد الرحمن بدوي في الفلسفة بالإضافة أيضًا إلى مواظبتي على قراءة مجلة "الرسالة"، مجلة أحمد حسن الزيات، وأنا في الثالثة عشرة من عمري حتى احتجبت، وكنت متأثرًا جدًا بكتابات الناقد أنور المعداوي وعن طريق الرسالة أيضًا تعرفت على بعض الشعراء الذين بدأوا تجاربهم الشعرية في مجلة الرسالة ومنهم الشاعر السوداني محمد الفيتوري.
لماذا وسمت المدينة حين ارتحلت إليها في ديوانك الأول بأنَّها "مدينة بلا قلب"؟
لقد وصفتُ القاهرة بأنها مدينة بلا قلب لأني كنت غريبًا فيها، ليس لأنها بلا قلب، القاهرة دائمًا كانت مدينة بقلب لأنَّها كانت عاصمة الثقافة والحياة المصرية، كانت مصدرًا للإبداع فكيف يمكن أن تكون بلاقلب، هي كانت بلا قلب في نظر شاب في العشرين من عمره يجد نفسه وحيدًا فيها. بإمكاني أن أترجم هذا العنوان إلى العنوان التالي: فتى بلا أصدقاء أو غريب طارئ على المدينة. المدينة لا ذنب لها، لأني قادم إليها، باحثًا عن نفسي فيها، وهي لم تكن تعرفني طبعًا حتى تقدِّم لي ما قدمَته، لكن القاهرة بعد أن عرفتني أفسحت صدرها لي وأشعرتني أنَّ لها قلب الأم الحنون. أنا قدمت إلى القاهرة في حوالي أكتوبر عام 1955، كنت قد حصلت على الديبلوم لكني لم أتمكن من الحصول على الوظيفة لأني اعتقلت مدة بسيطة عام 53.
كيف تآلفت مع القاهرة وتوافقت مع حياتها بعد ذلك؟
حين وجدت أن قصيدة لي وأنا لا أزال في "تلا"، في بلدنا، هي "بكاء الأبد" التي نظمتها وأنا في الثامنة عشرة، في المجلة الأدبية التي ورثت مجلة الزيات وهي مجلة "الرسالة الجديدة" التي كان يصدرها يوسف السباعي، أحد أبناء بلدتنا الذي قرأ شعري، وكان قارئًا جيدًا ومثقفًا وكان يقيم في القاهرة، في زيارة له في "تلا" بعد أن علم أنَّ فيها شابًا ينظم الشعر فسعى إليَّ وأنا قدمت له نماذج من أشعاري التي كتبتها في الخمسينيات الأولى- هذا شجعني على أن أرحل إلى القاهرة بحثًا عن فرصة عمل في الصحافة وكان ذلك في حوالي أكتوبر عام 1955، وبعد ما يقرب من أربعة شهور أو خمسة شهور وجدت هذا العمل أولًا في دار الهلال، ولكني عندما وجدت فرصة للانتقال إلى روز اليوسف تركت بنفسي دار الهلال وذهبت إلى روز اليوسف؛ لأن روز اليوسف في ذلك الوقت كانت تضم أمثال محمود أمين العالم وحسن فؤاد وإحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين وصلاح جاهين ثم صلاح عبد الصبور. في تلك المرحلة في الشهور الأولى من عام 56، عندما صدرت مجلة صباح الخير وعرض عليَّ العمل في صباح الخير، وافقت. أولاً بدأت مصححًا ثم لم يمض شهر أو شهران إلا وانتقلت إلى التحرير، أصبحت مكلفًا بإعادة كتابة الموضوعات التي يقدمها محررون يحتاجون في اللغة إلى من يراجع مقالاتهم، تلك هي الوظيف الأولى التي شغلتها وهي أن أكون rewriter, معيد كتابة، مراجع.. ثم انتقلت من هذه الوظيفة إلى أن أصبحت في صباح الخير ثم في روز اليوسف كاتبًا وبقيت أعمل في روز اليوسف، في هذه الفترة، منذ الشهور الأولى التي قضيتها في القاهرة، بعد قليل، بعد ثلاثة أو أربعة شهور لم تعد القاهرة في نظري مدينة بلا قلب، وأنا لم أعد غريبًا فيها.
معركة مع العقاد
من أي بحر عصي الريح تطلبه.... إن كنت تبكي عليه نحن نكتبه... كان هذا مطلع قصيدتك الشهيرة في هجاء العقاد... ما أسباب اشتباكك معه وكيف كان لقاؤك به؟
اشتباكي مع العقاد كان جولة من جولات مسيرتنا في حركة التجديد، وآذاني أن يمنعني العقاد من قراءة قصيدتي عن دمشق في سوريا في مهرجان الشعر الذي كان يعقد كل عام في تلك السنوات. يوسف السباعي ضمني أنا وصلاح عبد الصبور للوفد المصري المشارك في المهرجان. بعد أن رحلنا عَلِم العقاد أنَّنا ضمن الوفد وسنلقي أشعارنا في المهرجان، فأرسل ليوسف السباعي في دمشق يهدد بأنه سيستقيل من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب إذا سمح لنا أن نقرأ أشعارنا في المهرجان. وفي يوم من الأيام ونحن الوفد المصري نقيم في أحد الفنادق ومعنا يوسف السباعي وآخرون من الذين يشتغلون معه فوجئنا بدعوة لاجتماع مع يوسف السباعي، فأخبرني بذلك ورجاني ألا أقرأ القصيدة، أن أقبل استبعادي من برنامج الليلة وإلا فالعقاد سوف يستقيل من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، والحكومة لم تكن تحتمل أن يستقيل العقاد، لأن هذا كان من الممكن أن يفسر تفسيرًا سياسيًّا. عندئذٍ وجدتها فرصة سانحة لأن أرد على العقاد. لم أكن أستطيع كتابة قصيدة في هجاء العقاد قبل أن يقوم العقاد بما قام به لأني عندئذ أكون معتديًّا، لكني حين وجدت العقاد وصل في عدائه لنا ووقوفه بغلظة في وجهنا وإنكاره لحقنا في أن نجدد، خصوصًا وقد وصلنا إلى أوائل الستينيات بعد أن أصبحت حركة التجديد واسعة واستقرت، لأنه ظهر شعراء العراق وظهر السوريون واللبنانيون والمصريون بالطبع، أصبحنا أقوياء من ناحية ومعتدى علينا من ناحية أخرى، فوجدتها فرصة لأسقط حجة العقاد. وما هي هذه الحجة: أننا لا نستطيع أن نكتب قصيدة تقليدية لذلك نحن نجدد لأنَّنا نعجز عن كتابة الشعر التقليدي. أنا لم أكتب قصيدة تقليدية فحسب، بل أكثر إمعانا في المحافظة، فشعر الهجاء لم يعد موجودًا في هذا العصر، لكني هجوت العقاد وهجوته على هذا النحو الذي لفت الأنظار واستطعت بالفعل أن أنال هذا الاعتراف وهو أني أحسن كتابة القصيدة التقليدية، ولكني مجدد ليَّ الحق في أني أقدِّم قصيدتي الجديدة ولمن شاء أن يقبل ولمن شاء أن يرفض والساحة مفتوحة للجميع.
أنا لم ألق العقاد من قبل كتابة هذه القصيدة لكن القصيدة نشرت في "الأهرام" وقرأها المصريون لاجتماع عناصر الأهرام والقصيدة والعقاد والمعركة، كل ذلك جعل لهذه القصيدة سمعة لدرجة أن بعض الصحف ذهبت إلى العقاد تسأله رأيه في القصيدة، فرد العقاد على الصحفي قائلاً إنَّهم هم الذين يعيشون في عصر العقاد ردًا على البيت الذي أقول فيه:
تعيش في عصرِنا ضيفاً وتشتمنا
أنَّا بإيقاعه نشدو ونطربه
في هذا البيت قلت للعقاد أنت لست هنا، أنت ضيف، هذا عصرنا نحن، ونحن لا نفعل إلا أن نشدو أن نغني لهذا العصر ونطربه.
وأننا نمنح الأيامَ ما طلبت [والأيام لا تطلب إلا التجديد]
وفيك ضاع من التاريخِ مطلبُه
وفيك لا أمسنا زاهٍ ولا غدُنا
وفيك أَبْهَتُ ما فينا وأكذبُه
إلى آخر القصيدة [مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن]، مرت الأيام، سنة أو سنتان لأن القصيدة كانت في عام 61، وأنا علمت من صديقي الناقد رجاء النقاش الذي كان يعمل في مجلة اسمها "الشهر" أصدرها سعد الدين وهبة في أوائل الستينيات واستكتب فيها العقاد، كان هو وسعد الدين وهبة، أظن أنه كان يوم جمعة، يتأهبان للذهاب إلى العقاد في بيته هنا في مصر الجديدة ليأخذا منه المقالة التي كتبها للعدد الجديد طلبت منهما أن أصحبهما فقبلا وذهبت معهما إلى بيت العقاد، العقاد رآني وأنا رأيته وانتظرت في بيته أن يبدأني بالكلام، هو لم يرحب بي ولم يكلمني وتعامل معي كما يتعامل مع الذين يحضرون ندوته من الشباب، فأنا اعتبرت أن زيارتي له بمثابة اعتذار، أولاً لأني أخذت حقي وربحت الجمهور، لم يبق إلا أن أعتذر للعقاد وهو في ذلك الوقت كان قد تجاوز السبعين.
كاتبي المفضل
رشحك نجيب محفوظ لنيل جائزة "العويس"، كيف كانت علاقتك بعميد الرواية العربية؟ وكيف تلقيت خبر فوزه بنوبل؟
نجيب محفوظ أولاً كان هو كاتبي المفضَّل في الرواية العربية وأنا قرأت له أعماله التي نشرها خصوصًا في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات إلى آخره، وبعد أن صار لي مكاني في حركة التجديد الشعرية وفي الحياة الأدبية المصرية أصبحت ألقاه كثيرًا ويقرأ لي ويزورني في بيتي، هنا نجيب محفوظ شرفني بالزيارة وكان بصحبته الكاتب ثروت أباظة، وكان يهديني أحيانًا نسخًا من رواياته وتوثقت علاقتي به. عندما حصل على الجائزة وجدت أنه يستحقها، ليس فقط يستحقها وإنما لم ينل جائزة تشهد له وحده وإنما نال جائزة تشهد لنا جميعًا، تشهد للأدب العربي، وأنا أعتقد أنه ممن كانوا يستحقون هذه الجائزة من المصريين العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، هؤلاء كانوا يستحقون هذه الجائزة، لكني لم أر أن حصول نجيب محفوظ كان على حساب الآخرين، لأن حصول نجيب محفوظ على الجائزة بدا كما لو أننا جميعًا حصلنا عليه، فكان نجيب محفوظ يفتح هذا الطريق أمام الأدب العربي ليصبح أدبًا عالميًّا، لتصبح الرواية العربية مقروءة في كافة أنحاء العالم، وهذا ما رأيته بنفسي عندما زرت عواصم كثيرة ليس فقط في أوربا، وإنما كذلك في أمريكا وأمريكا الجنوبية، وجدت روايات نجيب محفوظ المترجمة يقرأها البشر، هذا تشريف لكل من يكتب بالعربية.
-في قصيدتك، "قصيدة الغسق"، أخذت على الشعراء انحرافهم بعيدًا عن الواقع في شعرهم حين قلت: يا إلهي! وأخوتنا الشعراء يسيرون من نفقٍ لنفقْ/ لهمو لغةٌ لا تؤدي إلى أفُقٍ/ ولهم ورقٌ يحترقْ!، كيف ترى التيارات الشعرية التي تجنح إلى الغموض التعبيري المفرط والتغريب اللغوي؟
في هذه القصيدة كنت أشير إلى تيار سلبي ظهر في حركة التجديد، القصيدة لم تعد تعبيرًا عن هم إنساني يجمعنا لنواجه التحديات التي تواجهنا وأيضًا لنقرأ الشعر. أصبح هناك من يعتبرون الشعر لعبًا بهلوانيًّا بالكلمات، ينشئون الجمل جزافًا لا تدري لماذا كانت هذه الكلمة إلى جانب الأخرى التي تجاورها، إنما يلعبون لأن ليس هناك هذا الالتزام الروحي والوجداني بقضية تجعل الشاعر ينظم، وتجعل القارئ يقرأ، ومن هنا قلت إن الشعراء يسيرون من نفق لنفق.
في فرنسا
عشت في فرنسا ما يناهز سبعة عشر عامًا، كيف وجدت الحضارة الغربية والثقافة الفرنسية حين عشت هناك، وماذا أضافت إليك تلك التجربة؟
تعرف بالطبع أن تجربتنا مع الحضارة الغربية ومع الثقافة الفرنسية بدأت من أول النهضة، يعني بدأت من حملة بونابارت، والذين ذهبوا إلى فرنسا بعد ذلك وحملوا إلينا زادًا من ثقافتها في مختلف الميادين، بداية من الطهطاوي حتى الأمام محمد عبده وبعده من ظهروا في العشرينيات من أمثال دكتور حسين هيكل وطه حسين ومنصور فهمي ومحمود مختار وجورج أبيض وتوفيق الحكيم. ذهبت إلى فرنسا وأنا محمل بهذا التراث لأني أعرفه لكن الفرق ضخم بين أن تكون الثقافة الفرنسية هي هذه المؤلفات التي تقرأها، وبين أن تكون الثقافة الفرنسية هي الحياة التي تعيشها، وعشت هذه الحياة بعمق وبحب وبامتنان، لأن الفرنسيون أعطوني الكثير. عندما أذكر ما قدمه لي جاك بيرك وأندريه ميكيل وخاصة جمال الدين بن شيخ وهو فرنسي من أصل جزائري عندما أذكر ما قدموه هؤلاء لي ولأبنائي أعرف معنى الحضارة الغربية والثقافة الفرنسية بالذات.
.
-في كتابيك "الشعر رفيقي" و"قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء" دافعت عن الشعر الموزون بقوة وفي رئاستك لتحرير مجلة "إبداع" نشرت نصوصًا لبعض شعراء قصيدة النثر، كيف صنعت هذا التوازن؟
أولًا أنا رئيس تحرير.. خضت تجربتي مع المحافظين ووجدت أنهم كانوا بلا حق في أن يمنعوني من أن أنظم بطريقتي، من حقهم أن يكون لهم رأي فيما أكتب، لكن دون أن يتدخلوا لكي يقطعوا عليَّ الطريق أو يحرموني من النشر أو قراءة القصيدة أو الاشتراك في المهرجان كما كان يفعل العقاد، لهم الحق في أن يرفضوا القصيدة التي نكتبها نحن المجددين، لكن ليس لهم الحق في أن يصنعوا ما صنعوه. أنا وجدت أني سأكون مثل العقاد لو أني منعت نشر قصيدة النثر، مع أني أرى أن الشعر لابد أن يكون موزونًا. هكذا عبرت عن رأيي فيما كتبته عن قصيدة النثر، لكني لم أمنع الذين يكتبون قصيدة النثر من التعبير، ليس فقط هذا بل نشرت لهم ما كتبوه، يعني أنا لم أوافق أنهم ينظمون بطريقتهم فحسب لكني أعطيتهم المنبر الذي يستطيعون من خلاله تقديم تجاربهم للجمهمور والجمهور في النهاية هو الحكم.
-أخيرًا ماذا يمثل الشعر بالنسبة لك؟
الشعر بالنسبة لي هو أعلى ما وصل إليه الإنسان في تعبيره عن نفسه، عن وعيه بوجوده، وعن علاقته بما حوله، بالطبيعة، بالوجود، بالعالم وما وراء العالم. الشعر هو اللغة، بدون شعر لا تكون هناك لغة وإذا لم تكن هناك لغة لا يكون هناك إنسان.
Comments