top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

حوار - فاتن المر: المرء يرسل نوره بقدر ما يستطيع. وأنا أكتب لكل المقاومين


الروائية اللبنانية فاتن المر
الروائية اللبنانية فاتن المر

حوار

فاتن المر: المرء يرسل نوره بقدر ما يستطيع. وأنا أكتب لكل المقاومين

 

●    أحب أن أعيش مع الشخصيات وأتفاعل معها.. وأكتب كما أحب أن أقرأ.

●    لا أجد أبدًا تضاربًا بين الكتابة والعمل الحزبي.. خاصّة أنّ حزبنا خرّج منذ تأسيسه الكثير من المفكرين والأدباء.

●    القصص القصيرة لا تروي عطشي.. ويحزنني غياب الكتب التاريخيّة المصوّرة الموجهة للناشئة.

●    كنت أبحث عن رجل ذي مزايا استثنائيّة تمكنه من قبولي بكل تلك الطاقة الفكريّة التي أحملها.

 


حنان فرفور - لبنان
حنان فرفور - لبنان

حاورتها حنان فرفور - لبنان

 حوار - فاتن المر: المرء يرسل نوره بقدر ما يستطيع. وأنا أكتب لكل المقاومين

لا أدري إذا كان ثمة تعويذة ما، تقدر أن تفصل شعاع الشمس عن شفاه الشجر الظمأى للضوء والحياة.. كذلك الأمر بين د.  فاتن المر الكاتبة الروائية، والناقدة الأكاديميّة في الجامعة اللبنانيّة، الفائزة بجائزة كتارا عن روايتها "غبار ١٩١٨" ونتاجها المكتوب على مدى سنوات، فلا يبدو حتى الجرّاح الثقافي البارع قادرًا على فصل كتابتها الإبداعيّة التي تحفر بعيدًا في الوعي الإنساني عن شخصيّتها المثقفة الرزينة الهادئة المؤمنة، كما يقتضي بالإيمان أن يكون، شغوفًا متحمسًا معطاءً ومعديًا، هاتفتها للوقوف على آرائها في الحرف والصنعة والأمومة وأشياء أخر.. فكان هذا الحوار:

 

 -الرواية جنسٌ حواريٌّ آكلٌ للأجناس" يقول باختين، فيها يجتمع الواقعي مع المتخيل، السياسي مع التاريخي، الاجتماعي مع النفسيّ والثقافي... فلماذا اخترتِ هذا الفن الصعب؟ ولماذا خرجت عن ذمّة القصة التي بدأت معها مشوارك؟

ليس صعبًا أبدًا بالنسبة إلي، فأنا قارئة رواية منذ صغري، أحب أن أعيش، خلال القراءة، مع الشخصيّات وأن أتفاعل معها، وها أنا اليوم أكتب كما أحبّ أن أقرأ. أسارع، عندما يتوافر لي الوقت، إلى لقاء شخصيّات الرواية التي أكتبها، لكي أكتشف سيرورة الأحداث التي تتحكم بها، كأنّ لها حياتها الخاصة التي أدركها شيئًا فشيئًا، مرة بعد مرة. كان أول إصدار لي مجموعة قصصية، لكن القصص القصيرة لا تروي عطشي، إذ تظهر الشخصيّات وتختفي بسرعة، فلا يتسنى للكاتب أو القارئ أن يستكشفها بعمق في تفاعلها مع الأحداث وفي تفاعلها مع الزمان والمكان وتطورها.

 

 

 - ثمة علاقة ثنائية بين التاريخ بوصفه خطابًا نفعيًّا، والرواية خطابًا جماليًّا، تتجلى بإشكالياتها في روايتيك الأخيرتين: "غبار ١٩١٨" و "حيث يبدأ الصدع"، إلى أي حدٍّ يمكن للرواية الإتكاء على التاريخ لتُكسِب السردَ خصوبته؟

العلاقة بين الرواية والتاريخ ترتكز على ثنائية العطاء: كل جانب يقدم للآخر مزية تمنحه بعدًا جديدًا، فالتاريخ يقدم للمتخيَّل في الرواية إطارًا واقعيًّا يثير اهتمام القارئ إذ غالبًا ما تدور أحداث الرواية إبان أزمات تاريخيّة كبرى، كالحروب، والمجاعات، والكوارث الطبيعية، التي يتوق ليكتشفها ويفهمها في يومياتها وتفاصيلها، بينما يكتسب التاريخ من الرواية العنصر المتخيّل الذي يصل إلى القارئ بسهولة وهو مصحوب بالمتعة التي تجعل الأحداث تعلق في ذهنه، فيكفّ التاريخ عن كونه مادة جامدة تدرس لتفرّغ فوق ورقة الامتحانات، أو مادة للبحث لدى بعض المختصّين، ويغدو مادة ممتعة في متناول الجميع، تحفظها الذاكرة من دون جهد.

 يحزنني غياب الكتب التاريخية المصورة الموجهة للناشئة، وقلة الروايات التاريخيّة. أنا شخصيًّا أدين لتلك الكتب (قرأت أكثرها بالفرنسيّة) بالكثير من المعلومات التاريخية التي احتفظت بها ذاكرتي.

 


فاتن المر

- هل ثمة فروق بين الرواية التاريخيّة، والرواية التي تستغل التاريخ لتمرير رؤى وأفكار وتوجيه رأي عام وصناعة وعي مؤدلج؟

الأولى تنتمي إلى الأدب الحقيقي والثانية مصطنعة لا يمكن أن ترقي إلى مصاف الروايات الكبرى. قد تنتج الرواية التاريخيّة عن فكر يثير في الأديب ثورة أو مشاعر متقدة، ولكنّها لا تحمل رسالة مباشرة ولا تدّعي الإجابة عن كل الأسئلة.

 

-  أكاديميّة وناقدة وروائيّة.. ما التحديات التي واجهتك في رحلتك المؤنثة؟

لا أعتقد أن مشاكل بلادنا والمصاعب التي تعترضنا تفرق بين امرأة ورجل، فكلنا ضحايا الظلم الذي يلحق بالكتاب والمثقفين في غياب أي خطة وطنيّة لدعمهم، وفي تركيبة تقصي الفن والأدب إلى آخر اهتمامات المجتمع، وفي انشغال السياسيّين إجمالًا عن البعد الثقافي، مكتفين بما يعود عليهم بالفائدة الآنيّة، فالثقافة هي بناء على المدى البعيد مما لا يتناسب مع طموحات من يتولون المسؤوليات من دون أن يطمحوا لتأسيس مجتمع راق.

 

شعور بالذنب

- غالبًا ما يرافق الأم العاملة شعور بالذنب والتقصير الدائم، ناجم ربما عن تجاوزها لدور الأمومة، كيف إذا كانت هذه الأم ناقدة أكاديميّة متفرغة وروائيّة فاعلة في المشهد الثقافي.. هل استطعتِ تجاوز هذه المشاعر فتصالحتِ مع الأم داخلك؟ وهل أعاقتك تلك الأحاسيس أم شكلت رافدًا لمسيرتك؟

عندما أنظر إلى الوراء، أرى أمًا كثيرة الانشغال، تصارع الوقت لتعمل وتتابع دراستها من دون أن تهمل أولادها ولا تجد الوقت للتفرغ للكتابة، ولكنها سعيدة، تشرك أولادها في كل ما تقوم به، وبشكل خاص الأنشطة الثقافية حتى لا تبتعد عنهم كثيرًا. أعترف أن الكتابة كانت المتضرر الأكبر، وأن ذلك كان يحزنني، بينما أجد أصدقاء كتاب كانوا يسمحون لأنفسهم بالابتعاد عن المشاغل العائلية والانصراف إلى القراءة والكتابة. أنا كنت أستيقظ باكرًا لأسرق ساعة أو ساعتين أكتب فيهما، أعود بعدها إلى اليوميات العائلية. كنت حين أقول للأولاد إنني أنهيت رواية، يسألون: متى كتبتها؟ ما زلت أسرق وقت الكتابة من كل الانشغالات، العائليّة والعمليّة، ولكنني تحررت قليلًا بعد أن كبر الأولاد. مما لا شك فيه أن المرأة مقاومة بطبيعتها، وهي، إن أرادت، تصل إلى مبتغاها على الرغم من المعوقات.

 

-  انتماؤك السياسي، يتمظهر فكريًّا في رواياتك، فيما يردد بعض النقاد أن الأيديولوجيا مقبرة الأدب، ما رأيك؟

إنّه ليس مجرد انتماء سياسي، بل هو إيمان بفكر وضع لنهضة المجتمع في غايته، والثقافة والأدب هي من أهم عوامل تلك النهضة، لذا لا أجد أبدًا تضاربًا بين الكتابة والعمل الحزبي، على العكس، فالواحد يكمل الآخر، خاصة أن حزبنا خرّج منذ تأسيسه الكثير من المفكرين والأدباء والفنانين ممن قدموا إسهامات كبرى في الشعر والرسم والموسيقى، ولا زال لهؤلاء مكانة مهمة بين القوميين، يحفظون ما كتبوا، يناقشون أفكارهم ويفتخرون بعطاءاتهم. هذا لا يعني أن مواقفي لم تؤثر أبدًا على مسيرتي، فهناك دائمًا من ينطلق من مواقف معادية، أو على الأقل مغايرة ليقصي كتبك عن دائرة اهتمامه واهتمام من يؤثر بهم.

 

- يقال إن الرجل بشكل عام، والشرقي بشكل خاص، لا يستطيع أن يتقبل نجاح شريكته وسطوع نجمها ،توافقين؟

في الكثير من الأحيان، هذا صحيح. لكنني منذ البداية، كنت أبحث عن رجل ذي مزايا استثنائية تمكنه من قبولي بكل تلك الطاقة الفكرية التي أحملها، وباندفاعي إلى العمل الثقافي على أنواعه، والحمد لله وفقت بزوج يعتز بنجاحي ويقف إلى جانبي كلما احتجت إلى المساعدة.

 

 

هاجس الجوائز

 

 - ثمة همسٌ أن للجوائز الأدبية ضررها على المشارك يفوق نفعها...وأنت فائزة بجائزة كتارا عن روايتك "غبار١٩١٨"، فما الذي تسلبه الجوائز من المبدع؟

لا أعتقد أننا في بلادنا المنكوبة التي لا تقرأ، نملك ترف التكبر على الجوائز الأدبية، فهي بالدرجة الأولى تلقي الضوء على المنتج الأدبي، فيزداد عدد قرائه. أذكر أن أول فكرة راودتني عندما علمت بنبأ فوزي هي أن عدداً من القراء في لجنة الحُكم قرأوا روايتي، ودخلت إلى الموقع أقرأ أسماءهم وودت لو أشكرهم كلًّا بدوره، فقد أعطوا روايتي اهتمامًا نفتقر إليه بعد أن تضاءل عدد القراء بشكل مأساوي. وبتنا نكتب لعدد قليل من المهتمين أو لدائرة صغيرة من الأصدقاء الذين يشعرون أنهم مهددون بالانقراض بفعل التصحر الثقافي. أدين للجائزة بأنّها أوصلت روايتي إلى عدد أكبر من القراء، وبشكل خاص، بعض طلبة المدارس الذين أصبحوا يقرؤونها بتشجيع من أساتذتهم.

 


فاتن المر

 - من الصعب على المثقف اليوم في "عصر التفاهة " و"الذكاء الاصطناعي" و"السوشيال ميديا" أن يظلّ مؤثرًا وفاعلًا في صناعة الوعي العام، ألا يدعو هذا الأمر لليأس؟ ولمن تكتب فاتن المر اليوم؟

لا يُخيفني اجتياح وسائل التواصل بمؤثريها وأربابها، سواء أكانوا سطحيين أم ساعين إلى شهرة سريعة، بقدر ما تخيفني مساهمة مجتمع بأكمله بمؤسساته الثقافية والإعلامية والأكاديمية في تسخيف كل ما يتعلق بالأدب والفن. وهذا الأمر بدأ قبل رواج التيك توك وغيره، وقد زاد سوءًا بعده. أرى أن هذه ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة من قبل من يهتم بصحة هذا المجتمع وبقائه. في الغرب، رغم رواج وسائل التواصل، ما زال الناس يقرأون وما زال الكتاب يعتاشون من الكتابة، وما زال زوار المتاحف والمعارض والمستمعون إلى الحفلات الموسيقة ومتذوقو الأفلام الراقية كثيرين. أقول لطلابي إنني أرضى إن نجحت في أن أجعلهم يعترفون أن غربتهم عن القراءة والاهتمام بالفن هو نقص ونقطة ضعف وليس شأنًا عاديًّا أو مدعاة افتخار. نحن نعيش في عصر انحطاط ثقافي أرى فيه أصل مشاكلنا الأخرى من سياسية واجتماعية وحتى اقتصادية. إن الارتقاء الثقافي هو مقياس ارتقاء الأمم.

لكن كلّ ذلك لا يدفعني إلى اليأس، فأنا أؤمن أن المرء يرسل نوره بقدر ما يستطيع. وأنا أكتب لكل المقاومين الثقافيين الذين يتمسكون بالشعلة حتى لا يعم الظلام.

 

 

 

 

 

 

٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Σχόλια


bottom of page