top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

حوار مع الكاتب والمترجم التّونسيّ جمال الجّلاصي .. حاورته هندة محمد


الكاتب والمترجم التّونسيّ جمال الجّلاصي
الكاتب والمترجم التّونسيّ جمال الجّلاصي


هندة محمد - تونس
هندة محمد

حوار مع الكاتب والمترجم التّونسيّ جمال الجّلاصي .. حاورته هندة محمد

شاعر وروائيّ وعاشق للتّرجمة..

من مواليد مدينة "قليبية" جويلية 1968م.

 حفر اسمه في عالم الكتابة والإبداع بحروف من نور قلبه الرّحب. وروحه الشّاسعة، وإنسانيّته العالية جدًّا، حملاه إلىأفريقيا، وأمريكا اللاّتينيّة، وأمريكا، وفرنسا، ليفتح فينا أبوابًا تطلّ على الإنسان هناك، من خلال ترجمة العديد والعديد من القصائد والرّوايات.

يختار دائمًا ترجمة الأعمال الملتزمة بقضايا الإنسان الكُبرى، ويؤمن أنّ المترجمين هم "خيول التّنوير"

  • كتب رواياته عن حقبات نضاليّة مهمّة في تاريخ البلاد التّونسيّة.

  • كاتب عام مساعد لنقابة كُتّاب تونس.

  • عضو مؤسّس لمهرجان الشّعراء الطّلبة.

  • عضو الجمعيّة الدّوليّة للمترجمين واللّغويّين العرب.

  • صدر له ما يقارب عن العشرين كتابًا بين الشّعر والرّواية والتّرجمة أبرزها:

 (باي العُربان) الحائزة على جائزة لجنة التّحكيم في مسابقة الكومار للرّواية...


الكاتب والمترجم التّونسيّ جمال الجّلاصي، مرحبًا بك على صفحات مجلّة سيقلس بوست

لنحلّق معًا في عوالم الأدب والترجمة.


1- متى بدأت الولوج إلى عوالم الإبداع والكتابة؟ وأيّ الأجناس الأدبيّة كان الأسبق لاحتضان قلمك وفكرك، الشّعر، أم الرّواية أم التّرجمة؟

 كنت أعيش مراهقتي في عالم بعيد نسبيًّا عن الأدب، حيث كنت حارس مرمى في فريق كرة القدم في مدينة قليبية، وكنت قائد فرقة رقص عصريّ بدار الشباب. ورغم أنّ أختي جميلة كانت مولعة بالمطالعة، وكنت أحيانًا أسترق بضع ساعات في مطالعة ما تقرأ من باب الفضول لا غير، وقد كان أبي رحمه الله يملك كتابين: تفسير ابن كثير للقرآن الكريم، وسيرة عنترة بن شدّاد - لكني لا أذكر أنّني كنت مغرمًا بالكتب. كنت طفلًا "ولد حومة"، أنغمس فيما ينغمس فيه بقية الأولاد من لعب كرة، وملاحقة العصافير، ولعب الكجة والخذروف، والغميضة، وكل تلك الألعاب الجميلة التي لم نعد نراها في أحيائنا. أذكر أنّي لمّا كنت في السنة الثانية ثانوي (8 أساسي بنظامنا التعليمي الحالي)، كنّا ندرس نصّ "ما هكذا تؤخذ اللقمة يا بنيّ" لطه حسين من كتاب "الأيام"، وعند عودتي في المساء إلى البيت حكيت لأفراد العائلة عن النصّ الذي أثّر فيّ كثيرًا وشرح الأستاذ الفاضل "جمال بن الشيخ" له، وحديثه عن عبقرية طه حسين. وكان خالي رضا في منزلنا. ومن الغد فاجأني بإهدائي كتاب "الأيام" في طبعة فاخرة ومجلّدة.

كان هذا الكتاب هو من أدخلني إلى عالم الكتب. تحدّثت عن ذلك في روايتي الأولى "الأوراق المالحة": تحدّثت عن ذلك الطفل الذي كان يحلم بأن يجد خاتم سليمان على حافة الترعة، وأن يحقق له جنّي الخاتم كل أمانيه. وكان أن وجد الخاتم في الكتب وحقّق بنفسه ما يعجز عن تحقيقه عتاة الجنّ والإنس. هل وعيت عندها وأنا في الخامسة عشرة أن الجنّ كامن في القراءة!! في تلك الكتب التي لم تكن تعني لي أكثر من أداء واجب للنجاح في الدراسة؟! هل وعيت عندها أن القراءة المكثفة هي التي ستجعلني قمقمًا أخرج المارد من داخلي وآمره أن يغير وضعي فيفعل صاغرًا؟! هل وعيت بعدها أن المارد الذي سأعتصره من داخلي قادر على تغيير، ليس واقعي البسيط الساذج فحسب، بل تغيير كل الأوضاع البسيطة والساذجة في هذا الكون؟؟ وكانت القصة القصيرة الإناء الأوّل الذي صببت فيه أفكاري ومشاعري الوليدة.


2- رواياتك تتناول دائمًا الحديث عن شخصيّات نضاليّة: هل ترى أنّ مهمّة الأدب تكمن بالأساس في الدّفاع عن القضايا والأيديولوجيّات؟

- مهمّة الأدب، في رأيي، جماليّة بالأساس... ولا يمكننا الحديث عن جمال في حضور الظلم، أو العنصرية، أو الحيف الاجتماعي، أو الاستبداد السياسي، من هنا تأتي مهمّة الأدب النضاليّة، والدفاع عن القضايا الإنسانيّة الجوهريّة: الحق والجمال والعدالة. أما الإيديولوجيا فقد استغلت طويلًا الأدب والأدباء لتخدم أفكارًا قد تكون في كثير من الأحيان غير أدبيّة.


3- في ظلّ ما يحدث من تجاذبات وصراعات بين بعض الكتّاب في السّاحة الثّقافيّة التّونسيّة، نجد جمال الجلاصي الإنسان الحقيقيّ المتسامح المتقبّل للآخر بكلّ اختلافاته الفكريّة والإنسانيّة، الى أيّ مدى يجعلك ذلك قادرًا على تحقيق أهدافك الأدبيّة ونجاحاتك؟

أنا أؤمن إيمانًا راسخًا بالحق في الاختلاف، بل بضرورته لاستمراريّة الحياة وإثراء الساحة، فالتشابه للعدم. لكنّ طرق إدارة هذا الاختلاف هي التي تختلف من شخص إلى آخر. أنا أرى أنّ النقاش والحوار العقلانيين هما السبيل الوحيد للتقدّم وبلورة الأفكار وتطويرها، لكنّ التجاذبات والشلليّة والصراعات لا تهدف إلا لتحقيق أهداف شخصيّة أنانيّة، ترى أنّ من حقّ صاحبها أن يحتكر المنافع الماديّة أو الحظوة.

 

4- كيف ترى ما يثيره اليوم بعض الشّعراء والكتّاب من نقاشات حول أفضليّة جنس أدبيّ أو شعريّ على الآخر؟

الشعر غابة وليس حديقة، غابة فيها أشجار ألفية، وشجيرات صغيرة، وأعشاب ونباتات، ولا تنفي عظمة شجرة جمال شجيْرة أو عشبة. ويمكننا أن نسحب هذا على ما نراه اليوم من صراع واهم يخوضه مناصرو تقنيات الكتابة الشعرية، فصراع القصيدة الحقيقي، مثلًا، ليس مع الآخرين أو مع التقنيات الكتابية الأخرى، بل الرهان الأدبي أعلى من ذاك، ورهان القصيدة هو ذاتها. ومن الضروري في رأيي أن تتعدد تقنيات الكتابة، من أراد أن يكتب شعرًا عموديًّا فليفعل، ومن أراد نظم التفعيلة أو إنتاج النثر فليكتب، ويبقى الرهان هو جوهر الشعر الذي ينتصر للإنسان والجمال أينما كان، ولا للشكل. لهذا أنا أحبّ الشعر العمودي كما أحبّ قصيدة النّثر والتفعيلة، المهمّ أن يثير أحاسيسنا ويؤكّد إنسانيّتنا، وهذه وظيفة الشعر الحقيقيّة في رأيي. إيقاظ ما نام من إنسانيّتنا، ووضع الأصبع على عوائق اكتمالنا أو بحثنا عن حسن البقاء. الكتابة محرار خروج الإنسان من مملكة الطبيعة الوحشيّة التي غادرها منذ زمن غير بعيد، وهو الحارس لقيم الإنسان الكبرى (العدالة والخير والجمال…) التي اكتسبها عبر الزّمن ودعّمها الفلاسفة والأنبياء والحكماء.


5- التّرجمة عشقٌ وروحٌ واعتناقٌ عند جمال الجلاصي، لماذا تختار في أغلب الأحيان أعمالًا غير معروفة لترجمتها؟

ـ إن ترجمة الأعمال المعروفة "الناجحة" التي يسوّقها لنا الإعلام الغربي يعني في رأيي الوقوع في فخ الذائقة الغربيّة،وانتصارًا لما تقدّمه لنا سوق الكتاب "الأكثر مبيعًا" الغربية، التي لديها معاييرها الخاصة للكتاب الناجح. أما الكتب التي أختارها أنا فهي حسب ذائقتي ومعاييري الخاصة للأدب الذي يخدم القضايا الإنسانيّة. لا يعنيني الكاتب إن كان معروفًا أم مجهولًا، إن كان قد فاز بجوائز أم لم يفز. المهم هو القيمة الأدبية والإنسانية للكتاب، سواء كان رواية أو شعراً أو قصة.


6- ما الذي يجده جمال الجلاصي في الأدب الإفريقيّ فيستهويه عن غيره و يغريه بترجمته؟

ـ جاءت التفاتتي إلى الأدب الإفريقي ضمن موقف من حركة الترجمة في العالم العربي التي تتجه شمالًا طوال الوقت، وإن التفتت نحو الجنوب فهو جنوب القارة الأميركية من خلال الأدب اللاتيني. ولم تشفع جوائز نوبل ولا البوكر للأدب الأفريقي عند المترجمين العرب إلا ما ندر. وقد انطلقت في مشروعي بترجمة رواية من روائع الأدب السنغالي، وهي "إضراب الشحاذين" لعميدة الأدب الأفريقي (أميناتا ساو فال)، ثم ترجمت الأعمال الكاملة للشاعر السنغالي (سنغور)، واعتبرت أنه من العار أن يبقى شاعر بحجم سنغور غير مترجم للغة العربية. كما ترجمت ديوان "كراس العودة إلى أرض الوطن" للشاعر المارتنيكي، مؤسس مدرسة الزنوجة في الأدب، وكذلك رواية "حافية القدمين" للكاتبة الرواندية (سكولاستيك موكاسونغا)، وأخيرًا صدرت لي منذ أسابيع قليلة رواية "صورة جماعيّة على ضفة النهر" للروائي الكونغولي الكبير (إيمانويل دونغا لا).


7- "سيظلّ المترجمون خيول التّنوير، وستظلّ التّرجمة ديبلوماسيّة الحضارات". هل ما يزال جمال الجلاصي مؤمنًا بما صرّح به سابقًا حول رؤيته للتّرجمة؟

ـ دائمًا ما أكرر أن الترجمة فعل حبّ ولفتة شكر أقوم بها لتهريب أرواح إخوتي وأخواتي البعيدين إلى حضارتي ولغتي، وهي جناح إضافيّ يهديه المترجم للنّصّ ليحلّق أعلى، وقد ظلّ المترجمون خيول التّنوير وسفراء النّوايا الحسنة المبشّرين باللّغة الكونيّة الكامنة في كلّ نص إبداعي صميم. الشّعر والقصّة القصيرة والرّواية هي وسائل للتّعبير عمّا يخالجني من مشاعر وعمّا أحمل من قناعات ومعتقدات. لعل ما يدفعني دفعًا للكتابة هو الـرغـبـة فـي تـغيير العالم، نعم!!! أنا أكتب وأترجم فقط من أجل تغيير العالم! لم أكتب قَط من أجل كسب الأموال، ولا من أجل استمالة قلب فتاة، إنّني أكتب من أجل استمالة قلب هذا الكون، لو لم يكن هناك معنى أريد اقتلاعه من قلب الكينونة عن طريق هذه الكتابة، لكان من الممكن حينئذٍ أن أكون سعيدًا دون كتابة.

هذه الكلمات تبدو كبيرة ومغلفة بإتقان يبعث على الرهبة، ولكنها صادقة وحقيقية! أنا أكتب إنصافًا للكتابة ذاتها، باعتبارها خزان التاريخ وحافظة ذكريات هذا الكون… وهي الكتابة التي أوقفت التتالي العبثي للحياة كبقاء لا يراكم معانيه… لا أتذكر من قال: إن الكتابة سمحت للإنسان بالنظر إلى أعماق ذاته التي بدأت تصنع الحضارة، وأعماق هذا العالم الذي هو مسرح الإنسان.


8-هناك من يرى أنّ التّرجمة خيانة للنصّ الأصليّ، وهناك من يراها نصًّا آخر قد يفوق الأصليّ إبداعًا. فما موقفك من ذلك؟

ـ سيظلّ الأدب دائمًا يمنحنا تلك المتعة المضاعفة بأن يكون نابعًا من عمق حميميّة الفرد، من خصوصيّة لغته وثقافته الأم، ويكون بالتوازي فرصة للّقاء والتبادل والحوار. ينجح الأدب غالبًا عبر "تهريبه" من لغة إلى أخرى، في تحقيق معجزة أن يُسمِع صوتًا لا يشبه أيّ صوت آخر في لغة مفتوحة على الكون، متحرّكًا في الرّقصة المدوّخة بين الأنا والآخر. يمكنه، في النهاية، أن يكون تحقُّقاً لذلك الحلم المثالي الذي حلمت به الإنسانيّة طيلة قرون دون أن تحقّقه، لأنه يمنحنا في فرادة كلّ لغة - لغةً أصليّةً مشترَكة - لغة الأعماق الإنسانية "المترجَمة بصمت".

على أنّ المترجم الفرد وهو يلبّي بالترجمة حاجة فرديّة إنّما هو ينخرط، سواء وعى ذلك أم لم يعِه، في سياق أدبيّ وحضاريّ أكبر يجمع لغته بغيرها من اللغات.

فكلّ أدب في حاجة إلى الاستمرار والتجدّد، إلى أن يرى نفسه في لغات أخرى، وهو في حاجة كذلك إلى أن يستوعب نصوص الآداب الأخرى ويكتبها بلغته فيطّلع على تجارب الآخر ويحتكّ بها. ولولا الترجمة لبات كلّ أدب سجين حدوده الضيّقة كالنزيل في جزيرة منعزلة لا يصله منها غير صداه مشوّهًا.

إنّ ترجمة الأدب، أعلى من الاختلافات اللانهائيّة للّغات التي تكسوه هنا أو هناك، على الأرض، هي البحث عن ذلك الملجأ الكوني والجذريّ، من حيث تنطلق كل كلمة، ومن حيث تقال من قرن لآخر، ومن بلد لآخر نفس الأسرار.


9-جمال الجلاصي كيف ترى واقع التّرجمة اليوم؟

ـ أعتقد أن الترجمة في العالم العربيّ تشهد دفقًا إيجابيًّا في العشريّة الأخيرة بفضل دور نشر جديّة، من أهمها دار (ميسكلياني) التي يديرها المبدع التونسي شوقي العنيزي، ودار المتوسّط، وصفحة سبعة، وترياق وغيرها. وكذلك انخراط بعض مؤسسات الترجمة الوطنيّة، مثل المعهد التّونسي للتّرجمة في تونس، أو مشروع كلمة بأبوظبي، أو مشروع (ترجم) الذي تشرف عليه وزارة الثقافة السعوديّة، وهي مشاريع تدفع بحركة الترجمة إلى الأمام.

10- هل من مشاريع أدبيّة جديدة؟ وهل يفكّر جمال الجلاصي في ترجمة نصوص عن حضارات أخرى؟

ـ هناك مشاريع كثيرة قادمة في الأفق، لعلّ أهمها الأعمال الشعريّة الكاملة للشاعر (إيمي سيزير) ومسرحية "والكلاب تنبح" لنفس الكاتب. كما أعلن انطلاق سلسلة "ضوء أسود" التي أشرف عليها مع دار أبجديات التي يديرها الصديق الروائي والمترجم وليد بن أحمد، وهي أول سلسلة عربية تُعنى بترجمة الأدب الأفريقي. وأنا سعيد بهذه التّجربة الوليدة، التي تنطلق من تونس، وتهدف إلى ترجمة الأدب الأفريقي المكتوب بالفرنسية والإنجليزيّة والبرتغالية.

أما عن انفتاحي على الحضارات الأخرى، فإني لم أنقطع عن ترجمة آداب أخرى غير الأدب الأفريقي، ومنذ بدايتي في التّرجمة، ترجمت رواية "السيّد الرئيس" للكاتب الغواتيمالي الحائز على نوبل للآداب (ميغيل أنخل أستورياس)، وكذلك رواية "الإله الصغير عقراب" للفرنسي (روبير إسكاربيت). ورواية "الانفصال" لـ (دان فرانك). كما صدر لي منذ عام ترجمة لمجموعة من الحوارات للكاتب الأرجنتيني الكنديّ الملقّب "بالرجل المكتبة (ألبرتو مانغويل). بالإضافة إلى رواية "ولو بقيت منهنّ واحة" للكاتب الفرنسي المناضل (باتريس فرانشيسكي) عن نضال النساء الكريات ضدّ داعش. كما أبشّر الأصدقاء بقرب صدور ترجمة لستّة دواوين من الشٍعر الفرنسيّ ضمن موسوعة الشّعر الفرنسيّ الذي سيصدر عن مشروع كلمة. وأدعو الله أن يمنحني الصحة وراحة البال لتحقيق بقيّة المشاريع والأحلام.




٠ تعليق

Comments


bottom of page