top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

د. إيمان عصام: الترجمة والعولمة - من قبول الآخر إلى سطوة الثقافات


د. إيمان عصام - مصر
د. إيمان عصام

د. إيمان عصام: الترجمة والعولمة - من قبول الآخر إلى سطوة الثقافات

"إني على استعداد لأن أفتح نوافذي في وجه جميع الرياح

                                                 شريطة ألا تقتلعني هذه الرياح من جذوري"

                                               غاندي


يحاول المقال الوقوف على آفاق الترجمة والعولمة باعتبارهما مكونين ثقافيين، لكلٍّ أبعاده وأهدافه، ومدى أهميتهما في نقل الثقافات.

فالترجمة مكون ثقافي له ماهيته، ووسيلة من الوسائل التي تربط بين الثقافات بشكل انسيابي يجعل منها حافزًا متنوع المضامين والأفكار.

ترى هبة الله محمود عارف "أن الترجمة - مكتوبة أو شفاهية - أدت دورًا حيويًا في التواصل بين البشر على مرّ التاريخ؛ لكن لم تبدأ دراسة الترجمة بوصفها مبحثًا أكاديميًا إلا في النصف الثاني من القرن العشرين".

وقد لعب المترجم دورًا مهمًا، حيث إنّه يستقبل رسالة من لغة ما ويعيد تشفيرها وإرسالها في لغة أخرى، وبذلك تكون الترجمة وسيلة للربط بين رسالتين متعادلتين تحملهما شفرتان مختلفتان، وعليه فقد أصبح للمترجم الدور الفعال في نقل العلوم بكلّ ثقافاتها المتعدّدة إلى ثقافته التي ارتبط بها.

ومن اللافت للنظر أن التطورات التكنولوجيّة أسهمت في ظهور مجالات جديدة في دراسات الترجمة، منها: دراسات الترجمة السمعيّة، والبصريّة، ونقل كافة الترجمات التي تعتمد على الشفرات اللغويّة، وهو ما يظهر قيمة الترجمة في نقل الثقافات بين الشعوب.

وبظهور العولمة - بوصفها مفهومًا يشير إلى ضغط العالم وتصغيره من ناحية، وتركيز الوعي به كله من ناحية أخرى - زادت الصراعات، وأدت التحولات الثقافيّة إلى الخوف من الوقوع في حوب، عظيم أو أن تصبح وليجة لثقافات أخرى تؤدي إلى خلخلة ثقافتها وضياعها.

يقول محمد حافظ دياب "مع انحسار موجه الخطابات الكونية التي قدمها توفلر A. Toffler ، وليوتار Jean – Francois Lyotard ، وكنيدى P. Kennedy ، فوكوياما F. Fukuyama ، وهنتنجتون S . Huntington ، بدأت تتباين منذ منتصف التسعينات أصوات الباحثين والمهتمين الغربيين حول العولمة؛ حقيقة هي أم خرافة؟ محو حدود أم أدوار جديدة؟ ثقافة العولمة أم عولمة الثقافة؟"

فالعولمة ( Globalization ) كما ورد في المعجمات المختلفة هي محاولة إكساب الشيء طابع العولمة، ومحاولة جعله تطبيقًا عالميًا – مع الأخذ في عين الاعتبار أن العولمة ارتبطت بالقوة السياسة والعسكريّة، ومن ثم توقفت الدول طويلًا أمام هذا المفهوم خشية الانزلاق في غيابات ضياع ثقافتها من هذا الوافد – ولجأ بعض النقاد إلى محاولة وضع تعريف لها، تبسيطًا لذلك القالب التاريخي الذي يجعل من العالم قرية صغيرة، ومن هذه التعريفات نقف على تعريف رولنالد رد برتسون "بأنها اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش".

فهدف العولمة هو محاولة الوصول إلى تواصل ثقافي كوني يربط بين الشعوب المختلفة، إلا أن هذا الترابط فيه إركاس، أي قَلْبٌ للأمور، مما جعل الشيء مركومًا، حيث أضحت العولمة وسيلة من الوسائل ذات الخطاب الثقافي الذي يقوم على إعادة تشكيل بعض الهويات الثقافيّة؛ مما أدى إلى وجود استلاب ثقافي، كان على أثَرِهِ تدمير لبعض الهويات الوطنيّة، وتحولت إلى تابع للثقافة الوافدة، بما يوضح البون الشاسع بين مفهوم الترجمة ودورها، ومفهوم العولمة وهدفها. فالترجمة مفهوم يعتمد على نقل ثقافة الآخر، والوقوف على مكونه الثقافي والحضاري، دون المساس بثقافة الآخر المنقول إليه أو التأثير عليه، إنما الهدف الأسمى من الترجمة هو فهم الآخر والتعايش معه، في حين أن العولمة هي عبارة عن مصطلح فضفاض يؤدي إلى المزيد من الضغط الثقافي على الثقافات الضعيفة، فتؤثر عليها بشكل انعكاسي يؤدي إلى انهيار القوميّات وضياع الهويّات، في زمن أخذت القوة العسكريّة والاقتصاديّة مكانها المهيمن على نواحي الثقافة في العالم، كأن نقول مثلًا (أمركة المجتمع) بما يوضح أثر الثقافة الأمريكيّة على ثقافات مجتمعات أخرى.

وهو ما يفسر لنا أن بعض النصوص المترجمة هي نصوص قد ارتبطت بأجندة سياسيّة أو فكريّة عبر مؤسسات أنتجتها العولمة بحجة تسويق الخطاب الثقافي، وهدفُها رصد المعطيات الفكريّة أو الثقافيّة لمجتمعات ما، وهذا بدوره أدى إلى خلخلة الثقافات الوطنيّة، وتدمير بعض مفاهيمها، طبقًا لما وجهت به العولمة وتحولاتها.

فهناك علاقة متوازية بين الترجمة والعولمة، فكلما كثرت الترجمة زادت أمامها هيمنة العولمة الثقافية بطابعها الأجنبي، وما تحمله من نزعات تعصبية محمولة من المجتمع القوى إلى المجتمع المغلق، محاولة استبعاد كل ما يعرقل انتشارها، وخاصة الموروث الثقافي، وسعيها لتحقيق أهدافها وأفكارها وثقافتها عالميًّا من خلالها وعن طريقها، وليس كمحاولة تقريب الفكر بين الثقافات المختلفة، ومن ثم نجد فَقْدًا كثيرًا من الثقافات والموروثات في خضم هذا المعترك العولمي.

 وهنا تبدو مسألة التفرقة بين مدلول ومفهوم المصطلحين ( الترجمة / العولمة ) وكيف أثرت العولمة على الترجمة، مما أدى إلى ظهور مصطلح تغريب الترجمة وغيرها من المصطلحات التي أثَّرت على الترجمة بالسلب أو الإيجاب، فالترجمة دورها الأساسي هو توضيح الرؤى وحماية الموروث الثقافي، وعدم الانسياق وراء الفكر الأجنبي، ومحاولة دعم كل ملمح فكرى يتماشى مع الموروثات، والمعتقدات، والثقافات، ويتجلى دورها في هذا المعترك الحضاري والوعي الثقافي، عبر توضيح كيفية إثراء الذات، مع محاولة الخروج من السلبية إلي الإيجابيّة، وخاصة في الفكر الثقافي، والتعاون من خلالها مع كل جديد سواء كان ثقافيًّا، أدبيًّا، فنيًّا؛ من أجل إظهار الدور الحقيقي لها والمأمول منها.

ويقوم نجاح الترجمة بحملها طابع اللا مركزية وما تحمله من وسائل، وأليات مبتكرة متضمنة العامل اللغوي، والإبداعي، والمعرفي، وتحقيق هدفها ببسط أفكارها وتوضيح معالم وثقافة الدول الأخرى حتى لا نصفها بالجموديّة، ومحاولتها الهيمنة على المجتمعات الثقافية المغلقة.

وأثر العولمة على الترجمة جاء على الصعيدين الإيجابي والسلبي، فالإيجاب على سبيل المثال لا الحصر يبدو في:

1- معرفة اللغات الأخرى وثقافاتهم وخلق حالة معرفيّة عالميّة وخاصة فيما يتعلق بالمفاهيم والتعبيرات.


2- وجود مترجمين للغات وبشكل مُلِح على دراية بأسس وقواعد الترجمة.


3- فتح أسواق خاصة بالترجمة بين القراء والكَّتاب.


4- إثراء الدول النامية بلغات وثقافات مختلفة.


5- ظهور مدارس لغوية للترجمة تنافس الترجمات الأجنبية.


أما أبرز للسلبيات فهي:


1- هيمنة اللغة الأجنبية على باقي اللغات.


2- خلق حالة من التشتيت والتخبط في المفاهيم.


3- تسود حالة من الاحتكار الثقافي الأجنبي.


4- تداخل الترجمات وثقافتها مع قضايا اللغة وتعقيداتها.

 وعليه نخلص إلى أن:

الترجمة هي شكل من أشكال الاتساق المعرفي، الذي يرمي إلى: نقل الأفكار، أو المعتقدات، أو الاتجاهات، والفلسفات الثقافية المختلفة، عبر قالب يهدف إلى عدم التعارض مع الآخر، أو محو ثقافته، أو تغييرها، أو هدم لهويته التي عاش معها طويلًا.

لذا فإننا عندما نأخذ صورة ما من صور الثقافات القومية، محاولين عبر الترجمة الوقوف على ملامحها وأشكالها وتباينها وأوجه التشابه والاختلاف "كصورة الغجر في الآداب القومية" فهي صورة تنشأ عن وعي الأنا بالمقارنة مع الآخر.

أما العولمة فقد تبدو للبعض مصطلحًا مهمًا، فمع ما يشهده العالم من صراعات تغيريّة، وتجديديّة، أصبح الأقوى هو المهيمن على كل الأمور، فانحسرت الحدود، وتقلصت المسافات، وتقاربت المجتمعات، وتحول العالم مع التقدم التكنولوجي، والتسارع الصناعي إلى قرية صغيرة، فاضمحلت الهويات، وتلاشت بعضها تحت تأثير الثورة المعرفية التي تحاول العولمة فرضها على العالم الجديد، مما أدى إلى اختفاء بعض المصطلحات المهمة التي توقف معها العالم طويلًا مثل "التحرر"، و"التقدم"، و"التنمية الاقتصادية"، وأصبح العالم في دنيا العولمة يتجاهل الآخر، ويتجاهل حضوره ونموه، وهذا سبب من أسباب خطورة العولمة.



٠ تعليق

コメント


bottom of page