top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

رستم عبد الله عبد الجليل: أبـــــي - قصة قصيرة


القاص رستم عبد الله عبد الجليل - اليمن
القاص رستم عبد الله عبد الجليل

رستم عبد الله عبد الجليل: أبـــــي - قصة قصيرة

اليمن

منذ أن وعيت على وجه هذه الدنيا، شاهدت أبي الحبيب يتعارك مع شبح الفقر المخيف كثيراً، قصت لي أمي أن أبي من طفولته وهو يتعارك مع شبح الفقر وغول الجوع، وأنه قد ورث تلك المعركة من جدي وها هو يورثها لي، ينحدر أبي من أسرة فلاحة فقيرة ورثت أرضاً زراعية قليلةً وأفواهاً مفتوحة، وبطوناً جوعى كثيرة، مع هذا كافح بإصرار ليتسلح بالعلم، ويحسن من مستواه، تحمل أبي ألم الجوع طويلاً وهو يتلقى تعليمه بالكتاتيب، وكان يكتم جوعه بعزة نفس وإباء حتى من يظنه كان يحسبه شبِعاً من شدة التعفف، و أحيان كثيرة يخر مغشياً عليه من شدة الجوع، حكت لي أمي كثيراً عن قصص الجوع والمعاناة والألم التي حلت بأبي وبنا،


فرع شجرة

ولم يحكي لي أبي بتاتاً، بل كان يردد على مسامعنا لنقنع بحد الكفاف الذي كان يوفره لنا بصعوبة بالغة قوله: عشنا زمان معاناة وحرمان غير زمانكم.. أنتم الآن في خير ونعمة، كنا نسكن ستة أخوة،  ثلاثة ذكور وثلاث إناث ، بمنزل صغير في حي شعبي فقير بوسط المدينة، كانت كتبي وأسمالنا البالية تبتل وقت المطر الذي يتسرب من سطح المنزل ذو السقف الترابي،  كان عمل أبي شاقاً ومرهقاً، كان يصنع بعض الأشياء بالبيت يشكلها بيديه الجميلتين حتى تدمي يديه وتتورم، يبات ساهراً طوال الليل يعمل بكد واجتهاد دون كلل أو ملل، وعندما يشرق الفجر يصلي بدلاً من أن يخلد للنوم، والراحة لإراحة بدنه الناحل والضعيف المنهك، يخرج في الغبش مردفاً فوف ظهره شوالة ثقيلة ويطلب منا بوجه رضي وباسم الدعاء،  ينطلق أبي كادحاً في طلب الرزق وهو الذي تركنا وليس معنا سوى وجبة فطور واحدة، ولم يكن معنا ثمن وجبة الغداء، كنا في فقرٍ مدقع، لم نكن نعرف ما تعرفه بقية الأسر من المؤونة المخزنة لشهر، كان طعامنا كطعام الطير يوماً بيوم نشتري السكر والطحين والشاي، والجاز لموقد الجاز السويدي (الشولة) كل يوم، كان أبي يعود وآذان العصر يصدح بالسماء، وما زلنا دون غداء، وقد باع نصف بضاعته وتبقى النصف وقد أحضر معه بعض ربط الخبز وطماطم وبصل وعلبة سردين، تستلمهم منه أمي بفرح ممزوج بحزن، وتقسمهم إلى نصفين نصف تجهزه للغداء والنصف الآخر للعشاء..

أنا جائع يا أمي، هكذا كانت أصوات أغلبنا ترتفع نريد من حصة العشاء لكن أمي ترفض بإصرار

وترد علينا: اشربوا ماءً وستشبعون..

 ذات شتاء قارس حل علينا بغتة، انتظرنا عودة أبي كثيراً، لكنه لم يعد، نمنا دون غداء وعشاء والبرد يلسع أجسادنا الخاوية بسياطه الملهبة، لم يكن لدينا لحافاً دافئاً لنقي أنفسنا تلك اللسعات سوى أغطية متهالكة، أشرق علينا فجر كئيب بطعم الجوع، ولون الفقر يحمل لنا خبر موت أبي.

 

 

٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comentários


bottom of page