شعر: "الشاعر النازح" - إلى/ محمود جمعة - عماد جبار - العراق
أبي في ليلةٍ أسرى
حين القمحُ أطفأَ شمسَه الحمرا
وهو الآن مغمور بليلِ مدينةٍ أخرى
جرى كالماءِ في المجرى
وصلصل حين صادفنا
صغارًا كالحصى في الدرب
لكن ظلَّ ماءُ يديه يجري
فوق رُدنَي أختيَ الصغرى
ولم يترك سوى حقلٍ من الذكرى
أراه الآن مخضرّا
وأمّي الآن في الشرقاط مُطرقةٌ
ترفرفُ فوقَ دمعتِها
حروف الراية السوداء*
وتمشي حولَ منزلِها
صفوفُ النمل
بين الصخرِ والأشلاءْ
وتجفو قمحها الباقي سواقي الماء
وأذكرُ مرةً في الليل
سدّت قلبَها بغداد
وجافتْنا حدائقُها
فطفنا باحثين الأرضَ عن شمسٍ
كمتر حديقةٍ مجروحْ
نحمل زهرةَ العباد ملءَ الروحْ
ومرّتْ منذ ذاك الوقت
أنهارٌ من الأحزانْ
تذكّرنا وقلنا كان
يخبّئ وحشهُ الإنسان
ويخجلُ منه في حينٍ من الأحيانْ
ولكنْ حُلّت الأرسان
فظلّت في نواحي الأرض
تنزف قامةُ الإنسان
ويا بغدادُ كثرٌ هذه الرايات
وكثر حاملوها إنما هم دونما هامات
وما للمتعبِ المخذولِ
ما لابن التراب البخسِ من رايةْ
من عشرين جاءتْ هذه البلدان
وأُبدل ثوبُنا الخاكيُّ بالبدلات والقمصان
ولكنْ نفسُ ذاك الفعل والغاية
والشكوى هي الشكوى
القصائدُ مثلَ أعقابِ السجائر
فوقَ هذي الأرضِ أرميها
فلا جدوى
ولا أقوى
بأنْ أنسى بقيةَ لذعةِ الحلوى
أنا طفلٌ يدورُ الآن في مدنٍ بلا أعيادْ
فيا مجروحةَ العينين يا بغداد
يا من نهرُها القدّيس يَسجنُ موجَه الأوغاد
ويا من كلُّ بستانٍ أحالوهُ
على جنبيكِ دربًا يابسَ الأعواد
ويا بغداد يا أمّي
أنا خجلانُ من يُتمي
ومن ضوءِ الحقيقة محرقًا يُعمي
أنا خجلان من بيتٍ
ودربِ طفولةٍ فجرًا تركناهُ
ومن جسرٍ عبرناهُ
فلا قدماي.. لا عينايَ
لا عينا أبي المحزونِ تنساهُ
أنا خجلانُ من حُلم بعودتِنا حلمناهُ
فهدّته أيادي الناس
صار حجارةً في القلب
تؤلمنا بقاياهُ
* راية داعش
Comments