.png){kind=logo}
عبد الله التمامي: تبدأ تجربة الفنان بالكم وتتقلص نحو الجودة - حاوره حامد محضاوي
ركن «على سبيل المعنى»
ضيفنا الفنّان التشكيلي السعودي
«عبد الله التمامي»
إعداد وحوار: حامد محضاوي - تونس
فنّان يبحث في أحجيات الألوان ليؤسّس لجماليّة الأفكار. يلائم بين الخصوصيّة المكانيّة والوجدانيّة والروح العالميّة للعمل الفنّي. بين المحلي والعالمي مسافة ينسج خيوطها على أكثر من محمل للمعنى. في لوحاته بحث دائم عن أسلوب خاصّ، ينطلق من المدارس الفنيّة ليتجاوزها ويعود إليها ويكسرها ويجدّد في ثناياها ليطرز لونه الخاصّ. جدليّة وظيفيّة تمكّن عبرها من خلق علاقة توالديّة حيّة مع اللوحة، بحيث يمكن للمتلقّي التماهي والتفاعل وخلق روح السؤال البنّاءة في محاورة أعماله الفنيّة. من التكعيبيّة إلى السرياليّة إلى التجريديّة إلى الوحشيّة يتراوح المعنى الفنّي بينها ولا يستكين إليها، ذلك هو ديدن ضيفنا الفنان التشكيلي السعودي «عبد الله التمامي» الباحث والمجدّد، صاحب أسلوب استثنائي في فضاء الفن التشكيلي العربي، في هذا الحوار نخوض معه في مسيرة أكثر من ثلاثين عامًا من الاشتغال الفنّي؛ البدايات، المشروع الفنّي، الجماليّات، صالة تكعيب…
- أكثر من ثلاثين سنة في مرافقة الألوان، لو تلخّص لنا ما تحقّق وما تطمح إليه في مشروعك الفنّي؟
ما تحقّق هو صناعة مشروع فنّان ينمو داخلي كلّ يوم. أنا اليوم فنّان تشكيلي لديه أكثر من 200 عمل فنّي. درّبت الكثير ودرّست أعدادًا كبيرة من الطلاب، تخرّج منهم الكثير، فنان أو متذوّق. وقد تمّ اقتناء الكثير من أعمالي من قبل شخصيات كبيرة.
لدي والحمد لله، اسم يسعدني أن يكون معروفًا بشكل كبير، صالة تشكيليّة من أشهر الصالات في الوطن العربي «تكعيب للفنون». طموحي هو أن يرضى الله عما أقوم به من عمل، وأن اُفيد الناس واُساعدهم.
- بداياتك التي كانت مع رسم الطبيعة وخصوصًا ثيمة الشجرة، إلى جانب كلّ متعلّقات التراث من خيول وغيرها، كيف تراها بعد هذه السنوات وأنت الباحث الدائم عن التجريب والتجديد؟
من الجميل أن تشاهد الكثير من التجارب الفنيّة على مستوى المعارض والصور، وما تعلّمته بعد كلّ هذه الفترة أنّ اللوحة هي استنساخ لمشاعر الفنان أيًا كانت الحالة الانفعاليّة. وهي رؤية قد تغيّر مسار الفنان وحياة وأفكار الآخرين.
مع مرور الزمن يقلّ الوقت المخصّص للإنتاج الفنّي، رغم وجود العديد من المشروعات الفنيّة في البال والفكر. الجميل هو تحقيق الهويّة في أعمالي والتعبير عن توثيق للأصالة وعن تجارب قابلة للتطوير.
من هنا كان تطوير صورة التراث في أعمالي فكرة رائعة للامتداد والتطوير، مع تطوّر المهارات والفكر والثقافة لدي، أصبحت أعمالي تتّجه سريعًا للنمو والتطوّر بشكل موازٍِ للعمر الزمني والفني.
- أعتبر من خلال مشروعك الفنّي أنّك «العقل الجمالي»، باعتبار قيمة الطرح الفكري والوجودي والفلسفي الذي تطرحه لوحاتك، هناك ترابط وثيق بين العقلي والجمالي الفني، إلى أي مدى تتفقّ مع هذا الرأي وما رمزيّة هذا الاشتغال الصعب الذي يهرب منه البعض؟
فعلًا، من خلال مشروعي الفنّي حرصت على مفردات اللوحة، وتفقدّتها كي تخلو من عناصر الضعف أو القبح في عناصرها أو دلالاتها أو موضوعاتها. كلّما سلمت اللوحة من ذلك كلّما نحت نحو الجمال والقوّة.
ومن هنا، نحت رمزيّة ودلالات ومفردات العمل إلى ترجمة التوازن النفسي الداخلي، وترجمته بشكل سلس ومتوازن.
- ما يلاحظه المتابع لاشتغالك الفنّي هو تنويع المدارس بين الواقعيّة والتجريديّة والتكعيبيّة والسرياليّة... والأهمّ أنّها ليست تكعيبيّة في ذاتها أو تجريديّة في ذاتها إن صحّت العبارة، حيث نرى في اللوحة الواحدة أكثر من مدرسة، هذا ما يرى خاصّة في مجموعتك «تمّاميات» هل هذا هو المشروع الحقيقي لك المنفلت من قبضة المدرسة المخصوصة إلى خلق أسلوب خاص بك؟
هذا ما صنعه الوعي والشعور في أعمالي، ممّا صاغته تجاربي وبحوثي وعلاقتي باللوحة. هو كم معرفي وخبرات متراكمة تتّفق مع العقل تارة ومع التجربة تارة، ومع التجريب تارة ومع أحداث الصدمة والدهشة والعزف على مشاعر المتلقي بسمفونية الجمال، عبر إخراج جوانب الجمال ونقل المتلقي إلى عالمي الخاصّ، من خلال الخروج عن المنطق القانوني للمدارس الفنيّة بدمجها تارة وخلطها تارة وبكسر القواعد تارة وبطرح تكنيكات مطوّرة تتوافق مع السياق في الهارموني.
- اشتغلت على المدرسة الوحشيّة المتّسمة بالغرابة والتوهّج اللوني، وخاصّة في لوحات الكعبة، إلى جانب الاشتغال على تقنية الملامس واعتماد البارز والمخفي، هذه الجرأة اللونيّة والتقنية متواترة عبر مختلف لوحاتك، هل هي رغبة للإفلات من قبضة الواقعي التجسيدي أم بناء له بعين ثالثة تأمليّة لكسر جموده؟
فعلًا، كانت الوحشيّة المتّسمة بالوهج اللّوني سمة من سمات أعمالي لكنّها كانت متصالحة مع الواقعي التجسيدي تارة وتارة مع التجريدي وتارة مع البناء بعين ثالثة تأمليّة لإحداث الدهشة، لكسر الجمود ولكسر الرتابة وقوانين لا منطقيّة لابدّ أن تتحرّر من قيود الواقعي وفلسفات لونيّة ومدارس بادت. لابدّ من اُسلوب جديد يحيل الخطاب اللوني إلى تألّق وتأنّق ونقاء، يحدث الدهشة دون أن يصدم عين المشاهد.
لابد من سياق تصويري سينمائي يحمل روح المشاهد إلى أجواء جديدة تحمل منطقيّتي ودلالات فني كشاعر أو كفنان، منطقية بالنسبة لي تحمل عين المشاهد وتسافر بها عبر أجنحة ونسمات اللون إلى آفاق تختزل أزمنة وقرون لم يعشها، هي في أعماقي أشعر بها وبمنطقيتها كي أصدم المتلقّي بما لم يتوقّعه واُحيله إلى عنصر المفاجأة وأدفعه للانبهار. وهذا هو الفن الحقيقي من وجهة نظري.
- من خلال مجموعتك «ضجيج المساكن» شدّني الطرح الفكري للوحات، حيث وجدنا التصوّف، قضية المرأة، علاقة الرجل والمرأة، الآذان... بالرغم من منطلقاتها التراثيّة ومتعلّقات المكان المخصوص، من خلال هذا إلى أي مدى تعتبر أنّ الفنان خلق للعالم الإنساني وليس للإطار المخصوص؟ كيف تتعامل مع فكرة المحلي والعالمي؟
نستبدل عبارة التصوّف بالسنة والجماعة أو بالتديّن. الفنان هو جزء من المجتمع الذي يعيش فيه؛ يحمل نفس المنطلقات الفكريّة، والمعتقدات، وطريقة التفكير؛ ولأنّه يجيد الفن التشكيلي، فكأنّه طابع بريدي أو سفير لفن وثقافة وطنه، لذا هو ينتقل من المحليّة إلى العالميّة بجودة فنّه.
أمّا قضيّة المرأة فلا أعتقد أنّها موجودة، بل هي نصف المجتمع، هي الأم والأخت والزوجة، وهي جزء من النسيج الاجتماعي. وهذا ما جسّدته في لوحاتي. الآذان هو صوت الحق وهو هويّة البلاد الإسلاميّة ومحور تحوّل في حياة المسلم ونمط حياة. الانغماس في المحليّة وطرحها بأسلوب عصري ينقل الفنان مباشرة إلى العالميّة.
- ما رأيك في النقد التشكيلي بين الغرب والشرق، أم أنّ نطاقنا العربي مازال بعيدًا عن التحليل النقدي التشكيلي برؤاه المعاصرة؟
الفن التشكيلي بدأ يترك مسار اللوحة إلى المفاهيميّة وما بعدها. النقد بدأ يأخذ عنصر التركيز على المادّة قبل العمل الفني ومدلولاته.
الناقد غير موجود في الوطن العربي. الموجود وجهات نظر شخصيّة لا ترقى الى نقد فنّي محض.
- لو تلخّص لنا مقاربة الكم والكيف في التجربة التشكيلية الخليجيّة؟
تبدأ تجربة الفنان دومًا بالكم ثمّ تتقلّص نحو الجودة. فالعرض والطلب حوّل البعض من الفنانين إلى تجّار لا شعوريًّا لتغطية الكم المطلوب على أعمالهم، ولكن الاتجاه نحو الكم فرضه قلّة الطلب.
- صالة تكعيب التي قمت بتأسيسها، هل هي رفض للسائد من الصالونات ولمنظومة عملها أم تنضيج شخصي لفكرة المعارض وإدارة الصالونات خاصّة وأنت المعروف سابقًا بقلّة المعارض الشخصيّة بالرغم من زخم اشتغالك الفني؟
بدأت فكرة صالة تكعيب كمرسم وصالة لمقتنياتي الشخصيّة، بعيدًا عن النضج المفقود في إدارة الصالات. ولابدّ لأي فكرة أن تتطوّر وتتأنّق بالدراسة والتحليل للسوق التشكيلي بشكل عام. هو سوق ربحي بالدرجة الاولى.
وضعت قواعد ودراسات لاستضافة كلّ فنان متميّز لعرض أعماله في معرض شخصي لمدّة ثلاثة أيام يحدّدها هو، يسبقها يومان للترتيب والتنسيق. يسبقها عدّة أيام للدعاية والدعوات وكتابة تحليلات عن أعمال الفنان. كما يستحبّ تكوين ملف لأعمال الفنان، فيه شروحات وأفكار الفنان عن كلّ عمل وأشياء كثيرة يستحبّ عملها، كما يستحبّ عمل الفنان إعلان مميّز ومدروس لمعرضه الشخصي. وتستضيف تكعيب المعارض الجماعيّة بشرط انسجام أعمال الفنانين. وقد تتنوّع الأساليب من فنان لآخر. ويستحب الثراء الفكري والمعرفي بما يناسب قوانين (السعودية) تمامًا. بالإضافة لذلك الورش والتدريب والطباعة وهذا ليس برفض للسائد، بقدر ما هو رسم هويّة خاصّة بتكعيب تختلف عن الصالات الأخرى.
- ما مدى انعكاس الانفتاح الثقافي السعودي على الممارسة التشكيليّة، وكيف ترى تموضع الفن التشكيلي في الطيف الفني السعودي عمومًا؟
انعكس الانفتاح الثقافي السعودي على الممارسة التشكيلية بتعدّد الصالات التشكيليّة، وتعدّد الورش والمعارض التشكيليّة، وارتفاع عدد الاقتناءات وتعدّد السمبوزيوم، وازداد الوعي بالفنون التشكيليّة.
أمّا تموضع الفن التشكيلي في الطيف الفني السعودي عمومًا فقد أخذ حيّزًا كبيرًا، ممّا انعكس على وعي المواطن السعودي بقيمة المحتوى الفني بعدد أكبر من مرتادي الورش والممارسات التشكيليّة والاقتناءات المتعدّدة، وأصبحت الرياض عاصمة للثقافة العربيّة.
Comments