top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

عمر محمد النور: أبوبكر الجنيد يونس شاعرٌ يختزن أسرار الماء


الشاعر أبوبكر الجنيد يونس - السودان
الشاعر أبوبكر الجنيد يونس

عمر محمد النور
عمر محمد النور

تتبّع الإشارات القرآنية في قصيدة (قالتْ قرنفلة لأخرى)من ديوان ما سرّ سحر الماء \ قراءة جمالية

عمر محمد النور: أبوبكر الجنيد يونس شاعرٌ يختزن أسرار الماء - الصين

يجمع الذين عاصروه بجامعة الخرطوم على أنه كان شاعراً صاحب بصمة واضح؛ ليس على مستوى القصيدة من حيث سبكها وإنجاز شرطها فحسب، بل حتى حضورها على على مستوى المنتديات، ففي الوقت الذي كانت فيه الجامعة تشهد فراغاً سياسياً بسبب تعليق الأنشطة السياسية، كان الجنيد مع ثلة من أصدقائه يحدث فعلا ثقافيا موازيا من خلال جمعية فجر الثقافية والتي أدركناها في آخر أيامها.ظل الجنيد قريبا من كل التجارب الشعرية التي جاءت بعده مرشداً هذا ومعلقاً على تجربة ذاك ومؤسسا لمنتدى نبضات دافئة مع ثلة من الشعراء. تكاد تكون القصيدة عند الجنيد ألبوماً من الصور المتتالية التي تأخذك نحو عوالم ماتعة ودنياوات مليئة بالمسرة والحزن معاً. في قصيدته التي محل قراءتنا هذه، لا يكاد يخلو مقطع منها من تناص مع آية من القرآن الكريم، وهذا إن دل فإنما يدل على ثقافة دينية ثرة استطاع أن يوظفها توظيفا سمحا لصالح القصيدة حيث يقول:هي راودتني غلّقت أبواب أحزاني وقالت هيت لك مدخل قويّ وجريئّ جرأة امرأة العزيز التي أرادت أن توقع سيدنا يوسف في شباكها لولا أن رأى برهان ربه. يبدع الجنيد كعادته في تعبيره عن الاحتواء بأنها (غلّقت أبواب أحزاني)

يقول: هي زينتني للآلئ قطّعن أيديهن حين رأينني أكبرنني وخرجت ممتلئا بها بشراً ملَك يسترسل الجنيد في تناصاته مع النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ لما رأينه وهو يخرج عليهنّ ممتلئاً بها، وهذا لعمري هو الحب. ثم ينتقل الشاعر الجنيد الى مقطع آخر وبإشارة ذكية لحدثين في ذات المقطع ليتناص مع قصة سيدنا إبراهيم والنار التي أُلقي فيها، وقصة موسى حين سار بأهله يقول: هي أوقدت ناراً وألقتني بها يا قلب كن أنت الخليل يا نار كوني جئت أقبس جذوة شمساً أضيء بها الحلكالمدهش هنا أن الشاعر لا يأتي بأكثر من أن يحيلك إلى الحدث بأقصر العبارات ثم يجعلك تقرأه من خلال ما أحالك إليه؛ (جئت أقبس جذوة شمساً أضيء بها الحلك)، هذه الجذوة ماذا تكون غير مشروع الشاعر الممتد يقول:نوديتُ ألق عصاكإنك في رحاب العشق في الوادي المقدس ممتلكمرة أخرى يتجدد التناص مع قصة موسى والعصى والسحرة بلغة تليق بمقام العشق وأهله بعيداً عن الريبة والشك والخوف يقول الجنيد:ألق العصا انبجست ينابيع المسرة من صخور الهمكنت أجول منفردابوادٍ غير ذي زرعٍ فزمزم ماء آمالي وأفئدة من العشاق تهفوكلهم سلكوا إذ الطوفان جاء معي على متن السكينة فالنجاة لمن سلك هنا يتسع التناص لأكبر قدر من الإشارة؛ فالعصا وانبجاس الينابيع من صمّ الصخر معجزة موسوية خالصة استجلبها الجنيد كما استجلب سيرة السيدة هاجر، وهي تبحث عن جرعة ماء لوليدها في ذلك الوادي المقفر، ثم يشير الجنيد إلى دعوة إبراهيم ربه بأن يجعل البلد آمنا وأن يجعل أفئدة من الناس تهفو إليه...كلهم سلكوا إذ الطوفان جاء .....الإشارة لا تخفى هنا إلى قصة سيدنا نوح والسفينة والجدل العقيم الذي خاض فيه ابنه والذي انتهى به الأمر إلى أنه عمل غير صالح فالنجاة لمن سلك .ثم تمضي القصيدة وهي تمخر عباب الإشارات الدينية، آخذة منها شاهداً على راهن المشهدين الخاص والعاملو أن نون الحزن يلفظني فأبلغ مجمع البحرين ألقاها لعلي باخع نفسي على آثارها أسفا يُردّ قميص أفراحي إليّ الصبر صبري والصليب صليب من خان الأمانة إذ هلكالإشارة إلى زي النون والحوت والظلمات الثلاث، يقول الشاعر أزهري محمد علي بلغة عامية سودانية فصحى: تمرق من شبر مسرح مدن فاضلة وعالم باتساع الحلمفما لفظ البحر يونس ولا انسدت شهية الحوت   الإشارة إلى مجمع البحرين هي الرحلة المضنية للبحث عنها، عساه أن يلقاها ولا يخفى هنا التناص مع قصة النبي موسى عليه السلام والخضر...لعلي باخع نفسي على آثارها أسفاربما هي نتيجة وصل إليها الشاعر بعد بحث وسفريرد قميص أفراحي إليّفي القميص البشرى ليعقوب وهو دليل البراءة ليوسف، وقد ورد ذكره كثيرا في الشعر؛ يقول الشاعر شوقي بزيع في قصيدته قمصان يوسف:

فهذا الزمان الذي برّأ الذئب من شبهة الدم فوق قميصك ليس زمانك ثم يختتم المقطع بقوله: الصبر صبري والصليب صليب من خان الأمانة إذ هلك الإشارة للمشقة وتحمل الأذى والصليب الذي يرد ذكره في أشعار المسلمين مصدره من الأدب الفرنسي كما ذكر العلامة عبدالله الطيب، ثم يشير الشاعر إلى الخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي لأول مرة فجاء إلى خديجة فزعاً وهو يقول: (دثريني زمليني)

هي أخرجتني دثرتني بالمحبة هاجرت بي قبل أن يرتدّ طرف مواجعي سراّ إلي حيث ارتقينا للأعالي منتمين إلى الفلك ثم في المقطع أيضا إشارة لطيفة للحوار الذي دار بين سليمان وعفريت من الجن -الذي عنده علم من الكتاب- حول من يأتي بعرش بلقيس؟ ثم يلتفت الجنيد إلى قصة الإسراء والمعراج فيأخذ منها:هي أوحت الإبداع لي فسريتُ شوقاً نحوها عرجتْ إليها مهجتي عشقاً ملكْ تتوالى الإشارات واحدة تلو الأخرى دون أن ينتابك أدنى شعور بأنّ الشاعر يُقحم هذا إقحاما؛ كي ينال إشادة المتلقي، وهذا دليلنا على تماسك ثقافة الشاعر وتمكنه منها.يقول الجنيد وهو يستحضر ثلاثة أخبار في مقطع واحد:غنّت مزاميريأرتّلُ شجو روحي:يا ابن أمّتسور المحراب حزني كنت في المهد صبيا رطب النخلة يسّاقط من حولي جنيّاوأنا أشتاق أن أُبعث في عينيْ معذبتي نبيّاهكذا غنيت لككلمة مزاميري نفسها هنا تسمع فيها نغماً (داووديّاً) يحيلك مباشرة لمزامير داؤود والذي أشار إلى خبره بقوله:( تسوّر المحراب ) ففيها إحالة لقصة الخصم الذين تسوروا على داوود المحراب، كذلك الإشارة لقصة هارون وموسى (يا ابن أمّ) لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ثم الأشارة لمريم بنت عمران وعيسى بن مريم هذا قليل من كثير جداً عند الشاعر الجنيد، فهو إمام في هذا الباب ليس في القصيدة هذه فحسب، لكن في جميع أشعاره.




٠ تعليق

Comments


bottom of page