top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

فـــوفـــــو - سلـــوى بكـــر ـ مصر


سلوى بكر - مصر
سلوى بكر - مصر

 

شهادات

فوفو - سلوى بكر ـ مصر

 

ماتت جدتي بعد انتصاف ليلة شتويّة باردة، غمرت فيها السماء الأرض بدموعها الغزيرة. أيقظتنا أمي أنا وأخوتي لنهرع جميعًا إلى بيت خالتي الكبيرة، حيث كانت تعيش جدتي، والذي لا يبعد عن بيتنا كثيرًا، وعندما وصلنا كان الماء يقطر من ملابسنا، وكنا قد ارتديناها على عجل، مثلما كانت قلوبنا المنفطرة تقطر حزنًا، على تلك الحنون الوديعة التي فقدناها إلى الأبد.

بين البكاء والعويل، شرعنا وبمجرد وصولنا بيت الخالة في خلع معاطفنا المشبعة بالماء، وأحذيتنا المتسخة من وحل الطريق، وكانت ساقايا ملوثتين بالطين. خرج صوت خالتي بصعوبة وهي تشير لابنها: خدها يا فوفو بسرعة واغسل رجليها في الحما

 

2

كان فوفو، واسمه بالأصل أحمد فؤاد، تيمنًا باسم آخر ملوك مصر، وإن لم يجلس على عرشها أبدًا بعد طرد أبيه عام 1952م. كان أصغر أبناء خالتي، وهو طالب في نهاية المرحلة الثانوية، وله عينان جميلتان ذات نظرات هادئة حزينة مثلما كانت نظرات جدتي. حملني في الحوض وأنا أبكي من الهلع والحزن والبرد. راح يمرر الماء على قدمي وينظف أصابعهما من الوحل ويدعكها بالصابون، ثم غسل يدي ووجهي وجفّفني بالمنشفة، ثم قال بعد أن منحني قبلة على خدي وهو يحملني أمام مرآة الحوض: "خلاص كلّه تمام.. اهدي خالص.. تتجوزيني؟"

3

من يومها أحببت فوفو، وأخبرت الجميع أنّني سأتزوجه. قلت ذلك لأمّي وخالتي وأقاربنا، وكل الناس الذين كلموني وقت عزاء جدتي، وعندما كان أحدهم يسألني عن السبب ببساطة أقول: "لأنّه شالني، وغسل رجلي، وباسني في خدي".

كنت وقتها في حوالي السادسة من عمري، وألثغ في حرف الراء. فيضحك الجميع عندما أقول ذلك، بينما يكتفي فوفو بالابتسام ولا يعلق.

كبرت بعد ذلك وصرتُ فتاة على أعتاب المراهقة، وزاد حبي لفوفو، وأصبح فتى أحلامي رسميًّا، وأنا أتمثله في الصحو والمنام على خلفيات لا حصر لها من أغاني الوجد والغرام، بدءً من أغاني أم كلثوم، وانتهاءً بأية غنوة تافهة خارجة من راديو المقهى البعيد عند آخر شارعنا.

آنذاك تمنيت الزواج من فوفو عندما أكبر، وبعد أن يتخرج هو من كليّة الطب التي التحق بها، ويكون لنا بيت بشباك،" ستايره حرير من نسمة شوق بيطير" كما تغني شادية. غير أنّه وبعد تخرج فوفو بشهور، جاءت خالتي إلى بيتنا ذات يوم وقالت لأمّي والسعادة على وشك أن تنطّ من عينيها: "فوفو ـ عقبال أولادك وكل أولاد الحبايب - ناوي يخطب واحدة زميلته في الجامعة".

وأذكر أنه في ذلك اليوم المرير، والذي لا تضارع مرارته إلا هزيمة يونيو 1967م، وعندما وضعت رأسي على الوسادة لأنام، انسالت قطرات كثيرة من عيني وبللتها. كان بقلبي حزن ولوعة أكثر بكثير من الحزن الذي انتابني يوم وفاة جدتي.

 

٠ تعليق

Commentaires


bottom of page