top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

قصة قصيرة : "بوتشي" لا يعرف التثاؤب - صديق الحلو - السودان


الروائي والقاص السوداني صديق الحلو
الروائي والقاص السوداني صديق الحلو

قصة قصيرة : "بوتشي" لا يعرف التثاؤب - صديق الحلو - السودان

 (١)

مزقني الصمت والكتمان والحنين.. وهأنذا أعيش هزائمي في لحظات الأحزان وحيدًا. هل يمكن أن نغادر هذا التعب بعد كلّ هذه الأنّات الصامتة والوجع. كم مرّة صفعت قلبي لأنّني عدت لهذا الأذى الجسيم الذي وضعني على حافة الندم والجنون.. ولبّيت نداء دعوتها.. إلحاحها، وفي الطريق سقتني المر حنظلًا، حتى تمنيت أن أصير ترابًا، وتحول بستان الأمنيات إلى حقل صبار وحنظل. كنت قليل الكلام، ولكنّني صرت ثرثارًا في حضرة صديقي بوتشي. حكيت له حكايتي. قلت لهفتي في الليالي القمريّة الباردة. حدثت روحي ففرهد الحلم وأينع، رغم وعورة أيام عشتها ملفقة بالوهم الطويل والأسى. لا أملك خيارات تشفي غليل هذا القلق، سوى الرحيل والتواري خلف مسافاتي، لأعزف ناييَ الحزين بعيدًا عن الأشخاص المقبوحين الممحوقين، لأكون قريبًا من الجمال والشجن. رحل الزمن الجميل بلا عودة، والأمل الذي كان يتوهج في أرواحنا ضوءًا باهرًا، ذبل وترهل وراح أريجه. ولجنا إلى عالم النزوح بطرقات معتمة، وطرق متعرجة، وضاعت مصابيحها ذات خيبة. وأنا أيضًا يا سيدتي مثلك، لا شيء يعجبني.. الأيام التي مضت، كانت روحي تتفيأ الصمت وظلال الحيرة حد التبعثر، والتلاشي فالضياع. العتاب عزيز لا يستحقه من أسرف في الإساءة والتجريح، وتلك السفاهة.

 يباغتني شجن السؤال! متي يتوقف هذا الجرح والحرب نازفة، ومن أين أتى عرب الشتات؟ قبل أن أرتب إجابتي. صرخ قلبي المتعب، من مطلع الفجر حتى شهقة العتمة تتولد ألف آه... وآه.

عندما يمنحك الله بداية جديدة لا تكرر الأخطاء القديمة نفسها. لا تثق بالكلمات، البعض عسل على شفاههم، وسم في قلوبهم وحقد دفين وحسد. أخشى أن يمضي بنا قطار العمر ونحن نتخيل الأشياء على أمل أن تحدث ولا تحدث.

 

 (٢)

إبداع حرف يكفي لتستمر الحياة وتعاش جميلة هانئة ورغدة، وتموت هي غيظًا وكمدًا.  تجاهلتني الوغدة فتخليت عنها. ناوشتني طاعنة إياي من الخلف، وعضت بنان الندم حسرة وتلهفًا. وهي تلعق أفعالها وتجتر ماضيها الزنخ. أعمالها كرماد اشتدت به ريح عاصفة في يوم مطير. تسلق الجميع بألسنة حداد. فارقها النقاء، صارت أيامها عكرة لا تخرج إلا نكدًا.

وأنا أحكي الحكاية للقط بوتشي، ضاعت لحظاتي في التجارب والحفر والاستنباط، ورغمًا عن ذلك نعزف على أوتار الأمل. نمسك قرنا الشمس التي تشرق بالفرح.  بوتشي هو الآخر في عيونه ضاع الماضي الحاضر والمستقبل. أشرع ذراعيه للريح والحب مستنشقًا أريج الورد.

وتمرّ الأيام ووراءها ليالٍ مشبعة بالحنين.. ممتلئة بالدفء، الوصال والشوق. يتسلل إلى دواخلنا الجمال، تخضر ذواتنا، نتنفس العشق بين الضلوع والشغاف. نحتضن الحب، الغرام، والوله، ونبض الريد. نهلنا حتى انتعشت جوانحنا. تأسرنا القلوب الريانة والهم المشترك، والحبيبة الوطن، والأرواح التي لا تصدأ. نضارة الخطى ويناعة الشباب وترف السرور وسحر الهنيهات، الهمسات الخافتة، والوشوشات.

 العناق بالكلمات تترجمه العيون واللماء الزرقاء... والفجر لا يخذل عشاق لياليه، وحتمًا ستشرق الشمس، والشوارع لا تخون.

 

 

٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page