قصة منحــة الترتـــر
سمير الفيل - مصر
قصة " منحة الترتر" للقاص سمير الفيل
كلّ البوابات موصدة، وكانت ثمة أغنية تتردد في الداخل، أعقبتها صرخة دامية.
كأنّني طردت من الجنة، أقف وحيدًا، عاريًا، بلا متاع ولو قليل، أمضي متتبّعًا لمعان الدوائر الصغيرة الملونة، وأتهيّأ للقاء ظللت أنتظره منذ بواكير الشباب.
كهل أنا، أسحب جسدي متوخّيا الحذر في السير حيث الذئاب تمرّ مسرعة، قاصدة نهش أيّ شخص قلبه مرتجف.
أنا الذي عشت أحاول مصاحبة اللغة، وجدتني بلا كلام، لا شيء يُمكنني نطقه في حضرة البرد والظلام.
الأنثى يُمكنها أن تخفّف عنّي شعوري بالشقاء، غير أنّهنّ جميعًا محبوسات داخل أقبية واطئة، لا يمكن الوصول إليها.
كنت إلى جوار ليلى الجميلة قبل أن تفرّ مبتعدة عنّي بعد أن جاءتها رقعة ورقة كتب في منتصفها تمامًا وبخطِّ الثلث: ابتعدي عنه، اتركيه لمصيره المظلم.
لا تهمُّني الوحدة، لا يُخيفني الظلام، لن ينال البرد منّي فقد تعوّدت التأقلم مع الأجواء المتقلّبة.
أريد أن أعثر على طمأنينة تعيد لروحي الانطلاق، غير أنّني أتحسّس الأنشوطة التي تمكّنت من رقبتي.
قفزت من فراشي محاولًا طرد الكوابيس، بينما العنكبوت السام يهبط في ركن من الحائط المواجه.
أرى في مكمني الذئاب الضارية تمضي نحو هدفها، تشمّ رائحة الدم من بعيد، وتتّجه بشراسة نحو الضحايا.
لست بضحية، إحساسي هو الذي ملك تصرفاتي، فبتّ بعيدًا عن تلك الجماعة التي وقعت في قاع بئر مهجور، عطن، ليس فيه ماء .
هل أصابني الخبل حتى أدفع حياتي ثمنًا للقبض على يقين بصحة اختياراتي؟
قبل أن تغيب ليلى، همست في أذني: أعرف أنك قوي ، إياك والغواية، ربما أعود إليك.
عبر النافذة رأيت ثوبًا من الحرير مزيّنًا بكميات هائلة من ترتر، سألت نفسي وأنا أوبخها: لماذا لم تمض أوقاتك معهم؟
لماذا رميت المبخرة النحاسية، وطلبت "الترتر" في وميضه المفاجئ، وتألقه المثير؟
قال شخص بملابس ضابط نظامي: لا تطيل الوقوف في هذه الناحية. لا تثرثر يا إنسان.
نزلت الدرجات على رؤوس أصابعي حتى لا تقلق طقطقة الخشب ليلى في منامها. حدث أن دوى النفير، فوقف بشر كثيرون صفوفًا.
كنت الوحيد الذي أقف بلا صف. مفردًا، منبوذًا، أعيش حالة السأم. لا أحد يهمُّه شأني، لا فتاة تراني في وقفتي المتصلبة، ولقد لمحت "الترتر" بألقه من نافذة العم خيري.
لمستُ نعومته بيدي المرتجفة، وكنت أعيش طيلة نصف القرن الأخير انتظارًا لهذه المنحة التي لا تُقدر بمال.
コメント