نصر الدين عبد القادر حسن
صدور العدد الرابع;
كُتّابها يشاطرون السودان عذاباته..(Seagulls post ) العربية تطفئ شمعتها الأولى بصدور العدد الرابع
في زمن السرعة والابتذال ليس ثمة ما هو أكثر صمودا من استمرارية مؤسسة تعنى بالثقافة والآداب والفنون، وليس هذه خاتمة الدهشة، بل أن تعمل على الصدور بلغة أخرى، هذا ما فعلته مجلة سيقلس بوست (Seagulls post) التي تصدر من كندا، باللغة العربية، وهي تطفئ شمعة عامها الأول، وتوقد مشاعل للإشراق لأعوام قادمة، وتستعد لإطلاق نسختها الإنجليزية في القريب الذي اقترب.
قبل عام من الآن جاءت المجلة منفتحة على الإنسانية بكافة آدابها وفنونها، لكي يجد كل مبدع منبرا يعبر فيه عن أفكاره ورؤاه وروحه، فتشكلت ملامحها، وتخلقت روحها من جميع قارات العالم، عبر ما يقارب أربعين دولة، فتلاحم الأدب العربي بالإفريقي والآسيوي والأوروبي واللاتيني، وتلاشت حدود الجغرافيا والسياسة، ورفرفت راية الإبداع، لتؤكد حقيقة اتحاد الأرواح في ذاتها، وأن الإنسانية إنما تنبع من مورد واحد.
كان المتوقع أن يكون هذا العدد احتفائيا وبانوراميا معددا آثار الرحلة خلال عام، لكن لم يكن شيء من هذا، بل كان الاحتفاء بالإبداع الخير، والجمال المحض، مثلما اختطت المجلة خارطتها، إلا من إشارة في افتتاحيتها أنها قد أكملت عاما من الإبداع والصمود وترسيخ الأقدام.
في هذا العدد تتجلى روح العاطفة تجاه السودان، الذي يعيش تحت وطأة دك المدافع، وأزيز الطائرات، لما يقارب خمسة أشهر، فنزحت ملايين، ولجأ آلاف، ومات مئات، وتهدم تاريخ، وانطمست معالم، وانمحت آثار حضارة، والكثير من الخراب والدمار، ما حدا بشعراء وكتاب هذا العدد من دول مختلفة أن يشاطروا الخرطوم محنتها ومأساتها.
كانت قصيدة المفتتح، والتي درجت العادة أن تكون لشاعر قديم، (عرس السودان) للشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري، والتي يقول فيها:
في زمن الغربة والارتحالْ
تأخذني منك وتعدو الظلالْ
وأنت عشقي
حيث لا عشق يا سودان
إلا النسور الجبالْ
يا شرفة التاريخ
يا رايةً منسوجةً
من شموخ النساء
وكبرياء الرجالْ
ثم يأتي من العراق، حيث مرقد المتنبي، وبيت الحكمة، الشاعر أجود مجبل بقصيدة عنوانها:
(إلى السودان شقيقتنا الكبرى)، يفتتحها قائلا:
للنيلِ لَونانِ مذكورانِ في الألواحْ
لَطالما حارَ في مَعناهُما الشُّرّاحْ
للنيلِ في هذه الأرجاءِ
عائلةٌ مِنَ القُدامى
وتاريخٌ مِنَ الأقداحْ
للنيلِ أهلٌ وأحبابٌ هُنا اجتمعوا
لذاك جاء إلى الخرطوم كي يرتاح
ثم تأتي الشاعرة السودانية والإعلامية/ دينا الشيخ، لترسم لوحة تراجيدية عن ال/ مأساة وملهاة، فتقول عن بلادها:
لكنَّها ورثتْ أخطاءَ فلذتِها
ومثلُ سيزيفَ قالوا حملُها صخرُ
ثم يكتب شاعر سوداني آخر، هو مجدي الحاج قصيدة يشرحها عنوانَها محتواها (المجد للخرطوم).. ثم الشاعرة ابتهال تريتر، والتي جاءت بقصيدة تضج بالأسى والحنين.
محطات..!
هو من الأبواب الراتبة في كل عدد، حيث يكون تطوافا سياحيا على بعض الأماكن الخالدة في ذاكرة الإنسانية، وفي هذا العدد كانت إيطاليا حاضرة عبر أماكن دانتي أليغييري.. عن الأثر المحسوس والأثر الخفيّ، حيث لا يتوقع إلا المتعة، أخذنا في هذه الرحلة الصحفي والشاعر اللبناني حسن المقداد.
نصوص شعرية..!
يضم باب الشعر في هذا العدد شعراء كبارًا، صالوا وجالوا في فضاءات الإبداع، فكان من سوريا الشاعر الحائز على لقب مسابقة أمير الشعراء/ حسن بعيتي، بفلسفته عن الموت والحياة، في قصيدة عنوانها (سأكون أجمل بعد موتي)، يرافقه سوري آخر هو الشاعر حسن قنطار بقصيدته (مهلًا).
كما يضم العدد قصائد من دول مختلفة تشكل قارات العالم في فسيفساء مدهشة، وهم: د. علي جعفر العلاق، ومحمد الساق/ المغرب، ومن مصر أحمد حافظ، وأسماء جلال، وهبة الفقي/ ومن العراق الشاعر حازم رشك التميمي، وخالد الحسن/ ومن تونس الشاعرة سماح بن معيز. ثم تأتي الشاعرة أسماء صقر القاسمي.
ومن السودان الشاعرة منى حسن، ومن السعودية الشعراء مطلق الحبردي، وعوض بن يحيى/ نجاة الظاهري من الإمارات العربيه المتحدة.
المقالات..!
يفتتح المقالات النقدية الدكتور والناقد العراقي الكبير دكتور جعفر العلاق، بحديثه عن الشعر العربي المعاصر وما وصل إليه، تحت عنوان: (ها هي الغابة.. فأين الأشجار). وقال فيه:" الشعر العربي بلغ في نضجه مستوى أعظم ما في العالم من شعر.
المقالات احتوت قدرا من التوجه نحو السرد، فكانت مقالة البروفيسور مصطفى عطية جمعة، من جمهورية مصر العربية (عبق الريف ونكهة المدينة في السرد السوداني الحديث - قراءة في نماذج مختارة)، وكتب بروف عبد الرحيم درويش من مصر عن رواية (أطياف الكون الآخر) لدكتور عمر فضل الله، كنموذج للرواية المعرفية.
ثم مقالة الدكتور إبراهيم طلحة، والتي عنوانها بـ(إضافة إلى نسق السرد: ذكريات البرام في /ملاذ آدم/ اشتعال إبداعي تنويري واشتغال روائي استثنائي) / ثم مقالة د. منتصر نبيه محمد صديق، عن (علم الأسلوب وأركان عملية التواصل في النص الأدبي - المنشئ والنص والمخاطب). بينما حملت مقالة الدكتوري شريف صالح عنوان (نجيب محفوظ.. حاملًا مدينته فوق ظهره).
ثم يأتي الشاعر والروائي الموريتاني، الشيخ نوح منقبا في الشعر السوداني عبر مقالة تحمل عنوان (عصير الكلمات... نظرة على الشعر السوداني المعاصر) / بينما أدار نزار النداوي بعض كؤوس الجمال من حانة حافظ الشيرازي أمام القراء، ليعبُّوا من نبيذها المعتق، في مقالة عنوانها: (حافظ الشيرازي حانة العالم – نظرات ونفحات)
ومن مصر مرة أخرى يكتب محمود حسن مقالته،
(القلق والذهنية المفرطة واللغة اليومية في الشعر المعاصر)
أما د. أحمد خريس من الأردن، فتناول حالة من حالات الشاعر الفلسطيني زكريا محمد في مقالة عنونها بـ(وداعًا زكريا... المدن الخفية والجزيرة المقلوبة)
لتأتي بعد ذلك الموسيقى السودانية عبر مقالة البروف/ محمد سيف الدين علي (خصائص الموسيقى والغناء في السودان)
نصوص قصصية..!
يضم هذا الباب عددا من النصوص الشيقة، حيث كتب من بصرة العراق القاص/ لقمان عبد الرسول حسين السبتي، نصه: (إنها العاشرة).
ومن السودان كتب القاص الكبير يحيى فضل الله، نصه (حاسة لمس) / أما قصة: (في انتظار الصوت البعيد) فكتبها ياسر جمعة من مصر.
ومن العراق تأتي مشاركة القاص/ بان الشمري، بعنوان (خيط رفيع).
بينما ضم العدد نصوص قصيرة جدا للقاص/ عبد اللطيف الديب من أكسفورد.
حوارات
حاورت المجلة الشاعرة السودانية الكبيرة/ روضة الحاج، في محاورة أجرتها معها الإعلامية التونسية هندة محمد، حيث تقول روضة إنها ترسم أرض السودان في قصائدها بدمها قبل حبرها.
كما يأتي حوار الشاعر السعودي الكبير/ محمّد إبراهيم يعقوب، والذي يقول في هذا الحوار:
أنا نسَبٌ شعريٌّ خالص.. وأطمح أن أُحدِثَ فرقًا، حاوره الإعلامي والشاعر السوري أحمد الصويري
بينما أجرت الإعلامية اللبنانية حنان فرفور حوارًا رائعا مع الروائي العماني الشاب، زهران القاسمي، المتوج بجائزة البوكر عن روايته (تغريبه القافر).
الفن التشكيلي.. في حضرة الصلحي !
يحتفل العدد بتجربة عملاق الفن التشكيلي السوداني والعالمي، الرسام العالمي إبراهيم الصلحي، الذي يحمل السودان ومآسيه عبر رحلة من العطاء المبتكر والمتجدد في الفن التشكيلي السوداني، الإفريقي، العربي، والعالمي. يعتبر من أهم رواد الحداثوية الإفريقية والعربية في الفن التشكيلي.
ويعد أحد مؤسسي مدرسة الخرطوم التشكيلية. تتمثل إضافته الجوهرية التأسيسية بشكل كبير في حركة الحداثوية الإفريقية في الفنون المرئية والبصرية.
ومثلما تنبت الأزاهير من بين الأشواك، فالمتوقع أن تطعن وردة الجمال والإبداع والفنون، سيف الخراب والتدمير.
Comments