لقاح - سعاد اشوخي - المغرب - قصة قصيرة
انتشر المرض في العالم، وصل مدينتي دون جواز سفر، أغلقت الحدود، ثم أصبحت أنا الشخص العاقل الذي يحتاج إلى جواز سفر طبيّ؛ لأعبر الحدود في وطني؛ لأحصل على وظيفة.
في المركز الطبي سعال هنا وهناك، طابور من المواطنين والأجانب الذين يرتدون أقنعة لا فائدة منها. هذا يغطي بها لحيته، والآخر يضعها على معصمه، وأخرى تضعها على رقبتها حتى لا تفسد أحمر شفاهها. وهناك، عجوز تضع على فمها جزءًا من حجابها تحاول الجلوس بعيدًا. إنها نزعة البقاء.
سيدة تجلس قربي أصيبت بدوار، التفّ حولها بعض الممرضين؛ ثم نقلوها إلى غرفة مجاورة. فجأة بدأت يدي تؤلمني.
لم آخذ حقنة بعد!
هل يكذب جسدي؟ أم يتوهم المرض؟!
أعرف أنّ جسدي ضعيف لا يتحمل الألم، ولا تؤثر فيه بعض أدوية التخدير. أتذكّر جيدًا؛ كيف استمرّ طبيب الأسنان في قلع ضرسي بعد أن فشلت ثلاث جرعات من المخدر في تخفيف الألم وتخدير الموضع، وأبي أمامي يوشك على ضرب الطبيب.
يستمر الموظف في أخذ بيانات الناس، ثم تحويلهم إلى غرفة التلقيح. كانت العملية أشبه بإحصاء، سلسلة من الأسئلة. وأنا أشاهد كالمجذوبة، وأنتظر موعدي الذي طال بسبب تقديم الكبار وأصحاب الحالات الخاصة.
كان الزمن قد توقف عندي، شريط من الماضي يتحرك، في كل مرة أسترجع ذكرى. لا أعرف كيف أرتب هذه الذكريات، ولا أعرف كيف تجمعت في هذا اليوم بالذات. كلما أردت أن أحول تفكيري إلى أحلامي الجميلة، والتخطيط لغدي -حين طال الانتظار- وجدت عقلي يرفض ذلك، كأنه قرر التوقف في الماضي، كنت كمحتضر يراجع ما قدّم.
كانت الشائعات حول هذا المجهول قد انتشرت بشكل مخيف، أكثرها فزعًا: يقتل البشر! هل ستكون نهايتي بسبب لقاح؟ زادت الثرثرة واحتدّ النقاش. أمسكت يدي بحذرٍ أشجعها على الصبر وأنا ألاحظ من حولي، قوم تحسبهم جميعًا لكن قلوبهم شتى وآثار التوتر بادية عليهم.
قال أحد الجالسين وهو متردد في أخذ التطعيم: أصيب جاري بشلل بعد أخذ اللقاح. إنه غير مضمون، يبدو أنّهم يجربون علينا هذه العلاجات.
كان يحمل حقيبة وجريدة، منظره يوحي بالهيبة والاحترام والوعي، غير أن كلامه عكس ذلك، لأنّه كان يبث الرعب فيمن حوله أو خيّل إليّ حينها ذلك.
قال الثاني: عدد من مات بالمرض أكثر ممن مات باللقاح.
تنهدت عجوز وقالت: مولاها ربي.
عمّ الهدوء وكان الاستسلام باديًا على الوجوه، إلى أن قال آخر: ولكن، لا بد من التلقيح للحصول على وثيقة للتنقل.
كنت أنا من هذا الصنف، أحتاج إلى هذه الوثيقة للتنقل في هذا الوطن الكبير الذي لم أمنع يومًا من التنقل في أرجائه، سواء للدراسة أو السياحة أو الزيارات العائلية. وكنت هذه المرة أطمع في اجتياز مباراة توظيف، فاستسلمت كغيري لهذا القرار وذهبت طواعية لأخذ التطعيم.
ها قد حان دوري. بعد دقائق من الاستنطاق، أصبح ذلك الذي كنت أخاف جزءًا مني، لوهلة تنملت أطرافي ثم عادت كما كانت. وخرجتُ لأنتظر مع من ينتظر في جناح الملاحظة الطبية، وفي خاطري سؤال ساذج: ماذا لو كنت فأر تجارب؟!
في المدينة نفسها وعلى المسرح ذاته، كنت فأر تجارب لثلاث لقاحات، حصلت بعدها على جواز سفر طبي، أخذ مكانًا له في ملفي المثقل بالشهادات. لكن في النهاية، لم أحصل على وظيفة.
Comments