top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

مسالك المحبيّن في مذاهب العشق - رائدة دعبول - كندا


رائدة دعبول - كندا
رائدة دعبول - كندا

 

مسالك المحبيّن في مذاهب العشق - رائدة دعبول - كندا

هل للحبّ من النّظرة الأولى تعريف؟ سؤال كبير يثير الكثير من الكلام والمشاعر ويهيّج الذّكريات. ثمّ هل في بعض حالات هذا الحبّ يرتقي المحبّ إلى الدّرجات الّتي صنّفها البعض إلى سبع، أو تسع، أو اثنتي عشرة، أو أربعين، حيث لكلّ درجة تعريف وأوصاف وحالات.

والحبّ بمعناه الظاهري؛ هو انجذاب سريع، تامّ وكليّ لشخص دون سواه. فقد نجد في المحبوب صفات أو ملكات تميّزه عن غيره، فتجعله عندنا "مختلفًا" وعظيمًا، وهو ما يشير إليه ابن حزم في باب علامات الحب في كتاب "طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف"، فكتب: (وللُحب علامات يَقْفُوها الفَطِن، ويهتدي إليها الذَّكي؛ فأوّلها إدمانُ النَّظر؛ والعينُ بابُ النّفْس الشّارع، وهي المُنقّبة عن سَرائرِها، والمُعبِّرة لضمائرِها، والمُعرِبة عن بواطِنها، فترى النّاظرَ لا يَطْرَف، يتنَّقل بتنُّقل المحبوب، وينزوي بانزوائه، ويميلُ حيث مَالَ كالحَرْباء مع الشَّمسِ)1. وإن سألنا عن سبب حدوث ذلك؛ فلا أعتقد أنّ أحدًا قادر على فهم الحالة بكليّتها، وهي الّتي تؤثّر فيما يأتي بعدها من تجارب.

د. محمد حسن عبد الله نقل عن ابن الدّباغ الأنصاريّ القيروانيّ: (واعلم أنّه متى كانت المناسبة الّتي بين المحبّين بالفطرة الأولى خفيت أسباب المحبّة في هذا الوجود، وإن اتّفقت بعد، فإن كانت تلك الأسباب ظاهرة فزمان ظهور المحبّة بقدر ارتفاع العوارض عن إحدى الذّاتين حتّى تحصل المناسبة)2.

علميًّا؛ يتطلّب تفسير الحبّ من أوّل نظرة العودة إلى أدوار الدّماغ. غالبية المحبين يحيلون الحبّ برمّته إلى القلب، بما له من إرهاصات على الجسد، لكن ليس بالضّرورة أن يمرّ كلّ بها محبّ. في إحدى القصائد يذكر أبو تمّام ما ألمّ به من سقم وألم وعدم القدرة على ضبط المشاعر التي جعلته يبكي ويتمنى الموت بعد هجر الحبيبة له:


أَنتَ في حِلٍّ فَزِدني سَقَما

           أَفنِ صَبري وَاِجعَلِ الدَمعَ دَما

وَارضَ لي المَوتَ بِهَجرَيكَ  

       فَإِن لَم أَمُت شَوقًا فَزِدني أَلَما


ثم يعترف بما كان يمور في صدره كعاشق:


مِحنَةُ العاشِقِ في ذُلِّ الهَوى 

    وَإِذا اِستُودِعَ سِرًّا كَتَما

 

حين يقع الانجذاب

"عندما يطير الشّرر: كيفيّة التّغلب على الوقوع في الحبّ من النّظرة الأولى"؛ دراسة كتبتها عالمة النّفس د. سوزان ألبرز عن سبب حدوث الشّوق والانجذاب الجّسدي الشّديدين خلال ثوانٍ من رؤية شخص ما (من السّهل جدًّا الوقوع في فخّ تلك التّجربة… والوقوع في الحبّ من النّظرة الأولى مرّة واحدة على الأقلّ يمكن أن يغيّر حياتك... ترى شخصًا ما، وفي غضون ثوانٍ، تعرف ما إذا كنت منجذبًا إليه أم لا)3.

حسب نظريّة روبرت ستيرنبرغ "مثلّث الحب-A triangular theory of love"؛ فإنّ للحبّ ثلاثة مكوّنات تُقاس بناءً على العلاقة الحميمة، العاطفة، والالتزام. وأيّ علاقة تُبنى على مكوّن واحد فقط لا يمكن لها أن تستمرّ، فيما العلاقة القائمة على عنصرين فأكثر قابلة للنّجاح أكثر4.

كثيرون يعتقدون بأنّ القلب هو الّذي يشعل شرارة الحبّ بين شخصين التقيا مصادفة – ربما – فارتجّ قلباهما ووقعا في غرام بعضيهما، ثم احترقا، سواء أظل حبّهما محرومًا عذريًّا أم انتقل إلى مرحلة الّلذة الحسّيّة، لكن للعلماء قولهم في ذلك، فالفصّان الجّبهيّان مسؤولان عن الأفعال الإراديّة، التّحكّم في المهارات الحركيَّة المكتسبة، التّحكّم في العمليَّات الفكريّة المعقّدة، التّحكّم في تعبيرات الوجه وإيماءات اليدين والذّراعين وتناسُقها مع المزاج والمشاعر، بالإضافة إلى فهم الأصوات والصّور، دمج السّمع والكلام أو التّكامل بينهما، وتوليد العواطف، ومعالجة الأحداث الفوريَّة وتخزينها وتحويلها إلى ذاكرة حديثة وطويلة الأجل، ثمّ استعادتها.5  وهذا يعني بالضّرورة أن المشاعر والحركات والتعبيرات والإيماءات والذكريات عمليّات من شأن الدّماغ وحده، وهو ما تشير إليه د. ألبرز (تتّخذ قشرة الفصّ الجبهيّ لدينا العديد من القرارات السريعة بأقلّ قدر من المعلومات، والاعتراف بالحبّ من النّظرة الأولى هو أحدها... وعندما يروي النّاس قصص التقائهم، ويقولون إنّه كان حبّاً من النّظرة الأولى، يكون لديهم في بعض الأحيان تحيّز انتقائيّ في الذّاكرة)6.

 

الشّعراء يسبحون في فلك مراتب الحبّ

الحبّ هو أحد أعلى مراتب المشاعر الإنسانيّة، وله موضع بالغ الأهمية في شرقنا الكبير نستشفّه من خلال المصادر التّاريخيّة العربيّة بالتّحديد، والّتي نقلت أخبار وحكايات وقصائد الشّعراء المحبّين/ العشّاق، علمًا أنّ بعضها مشكوك بوجوده أصلًا لعدم وجود سند، أو مشكوك بنسْبها إلى شخصيّات كالفقهاء والفلاسفة. في كتابه "الحبّ في التّراث العربيّ"؛ ذهب د. محمد حسن عبد الله إلى أنّه (يمكن اعتبار الشّاعر أوّل من انتقل بالغريزة من مستوى الظّاهرة السّلوكيّة إلى مستوى الظّاهرة الفنّيّة، وقد استحقّ بذلك اسـم "أوّل مـؤلـف" عـن الحبّ). وعن مراتب الحبّ كتب إنّها (تبدأ بالسّماع والنّظر فيتولّد عنهما الاستحسان، ثم يقوى فيصير مودّة، ثم تقوى المودّة فتصير محبّة، ثم تقوى المحبّة فتصير خلّة، ثم تقوى الخلّة فتوجب الهـوى، فـإذا قـوى الـهـوى صـار عشقًا، ثم يزداد العشق فيصير تتيّمًا، ثم يزداد التتيّم فيـصـيـر ولهًا، وهـو قمّة ما يبلغه المحبّ)7

في الشّعر العربيّ؛ لا حصر لها قصائد/ أبيات الغزل الّتي يصوّر فيها الشّعراء أحوالهم وهم أسرى الحبّ. عبره يترجمون أحاسيسهم وهم منغمسون به. ومع التّأكيد أنّ لكلّ عاشقَين حكايتهما المتفرّدة؛ إلّا أنّ غرض الغزل يظلّ متنفّس الشّاعر ليبوح من خلاله بما لا يستطيع البوح به بكلام عاديّ. ولا شكّ أن الشّعراء العرب أظهروا قدرة استثنائيّة في تطويع الّلغة لخلق تركيبات لغويّة مبهرة، وبالتّالي ابتكار صور شعريّة لافتة لا تخلو من عنصريّ التّشويق والإثارة، متكئين على فنون البلاغة كلّها لتجسيد أحوالهم وعواطفهم وخيالاتهم، ومستخدمين كلّ ما يخدم غرضهم من تشبيهات، واستعارات، ومجازات مرسلة، وكنايات، ورموز وأساطير. ويحفل تاريخ الشّعر العربيّ - قديمه وحديثه - بشعراء اقترنت أسماؤهم بأسماء من يحبّون، فكتبوا في الحبّ، وعن أحوالهم فيه ومع حبيباتهم. فهذا عنترة بن عبس يخاطب عبلة ابنة عمّه:

أَلا يا عَبلَ قَد زادَ التَصابي

       وَلَجَّ اليَومَ قَومُكِ في عَذابي

وَظَلَّ هَواكِ يَنمو كُلَّ يَومٍ  

      كَما يَنمو مَشيبي في شَبابي

 

فيما يصف قيس بن ذريح بن سنة بن حذافة الكنانيّ حاله بعد هيامه بلبنى بنت الحباب الكعبيّة:

وكلّفت خَوضَ البَحْرِ والبَحْرُ زَاخِرٌ 

        أبِيْتُ على أثْبَاجِ مَوْجٍ مُغْرّقِ

كَأنّي أَرَى النَّاسَ الْمُحِبِّينَ بَعْدَهَا 

           عُصَارَةَ مَاءِ الحَنْظَلِ المُتَفَلِّقِ


ولم يتوانَ قيس عن تناول العنصر الحسيّ حين تغزّل بمحبوبته إذ قال:


يَكادُ حَبابُ الماءِ يَخدِشُ جِلدَها

         إِذا اِغتَسَلَت بِالماءِ مِن رِقَتِ الجِلدِ

وَإِنِّي لمشتاقٌ إِلى ريحِ جَيبِها  

              كَما اِشتاقَ إِدريسُ إِلى جَنَّةِ الخُلدِ

 

أمّا قيس بن الملوح فيعتقد أنّ حبّه لليلى العامريّة مكتوب قبل أن يخلقا:


خُلِقنا لِهَذا الحُبَّ مِن قَبلِ يَومِنا

           فَما يَدخُلُ التَفنيدُ فيهِ مَسامِعي

 

وكيف التقى جميل بن معمّر بحبيبته بثينة بنت ربيعة يخبرنا بقوله:


وَأَوَّلُ ما قادَ المَوَدَّةَ بَينَنا 

       بِوادي بَغيضٍ يا بُثَينَ سِبابُ

وَقُلنا لَها قَولاً فَجاءَت بِمِثلِهِ 

    لِكُلِّ كَلامٍ يا بُثَينَ جَـــــــوَابُ


معتقدًا أنه تعلّقه بها صار حتّى قبل أن يتخلّقا:

تَعلَقُ رَوحي رَوحَها قَبلَ خَلقِنا  

     وَمِن بَعدِ ما كُنّا نِطافا وَفي المَهدِ

 

وكثيرًا ما قال كُثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعيّ في حبّ عزة الضّمريّة، ومن ذلك:


أيادي سبا يا عَزَّ ما كنتُ بعدكُمْ

        فلمْ يحْلَ للعَيْنَيْنِ بعدَكِ مَنظرُ

تغيَّر جسمي والخليقةُ كالَّذي   

        عَهِدْتِ ولم يُخْبَرْ بِسرِّكِ مُخبَرُ

 

أما أبو نوّاس الّذي هوى الجارية جِنان؛ فيذكر كيف افتُتن بها:

ما هَوىً إِلّا لَهُ سَبَبُ 

       يَبتَدي مِنهُ وَيَنشَعِبُ

فَتَنَت قَلبي مُحَجَّبَةٌ  

       وَجهُها بِالحُسنِ مُنتَقِبُ

 

ومع أنّ التّشابه في المعاني الّتي تناولها الشّعراء في كثير من قصائدهم الغزليّة جعل البعض ينسب قصيدة لشاعر ما إلى غير قائلها؛ لكن يمكننا التّأكيد على أنّ لكلّ قصيدة شخصيّتها المشبعة بأحاسيس ومشاعر وانفعالات قائلها، وبدفقات كبيرة - وأحيانًا عنيفة - من الوجد والشّوق. فلكلّ شاعر تجربته الخاصّة في الحبّ وجهاد النّفس والصّبر، وما أصعب احتمالهم حين يُستلب قلب المحبّ، وتحديدًا ذاك الّذي يسمو بعاطفته على الغريزة المفطور عليها.

بين الواقعيّة والتجريد، استعارة المفردات والصور من البيئة، التصريح والتلميح، الرمزيّة والرومانسيّة، استخدام الاستعارات وتوظيفها، وابتكار الصور؛ أطلق الشّعراء العشّاق العنان للمخيال منذ أقدم بيت شعر غرضه غزليّ. لكن في الشّعر الأندلسيّ بدا التّعبير عن الحبّ أوضح، وحسّيًّا أكثر، وجاء بعبارات شعريّة وصور أسلس وأبسط من شعر العصور الّتي خلت. في "حبّ الآخر في الشّعر الأندلسيّ والبروفنسيّ"؛ يذكر د. محمد عباسة أنّ محمد بن الحدّاد كان من أشهر عشّاق الأندلس، وقد ارتبط اسمه بنُوَيْرة، وبها تغزّل مفصحًا حتّى عن دينها:

عَسَاكِ بحَقَِ عِيْسَاكِ

        مُرِيْحَةَ قَلْبيَ الشاكي

فإِنَّ الحُسْنَ قد وَلاَّ  

       كِ إحيائِي وإِهلاكِي

 

ويضيف بأنّ سعيد بن جودي أمير ألبيرة كان أوّل من قال الشّعر في الحبّ البعيد. وممّا يُروى عنه أنّه سمع صوت جيجان جارية الأمير محمد بن عبدالرّحمن تغنّي، فوقع في حبّها وأنشد:

سَمعي أَبى أَن يَكونَ الرّوحُ في بَدَني

       فَاِعتاضَ قَلبي مِنهُ لَوعَةَ الحزَنِ 

أعطيت جيجانَ روحي عَن تَذَكُّرِها

     هَذا وَلَم أَرَها يَومًا وَلَم تَرَني8

 

الرّومانسيّة مسلكًا

حتى يومنا؛ ظلّ غرض الغزل أحد أبرز أغراض الشّعر، وبرز عدد من الشّعراء في العصر الحديث الّذين برعوا في كتابة قصائد الغزل، من بينهم عمر أبو ريشة، إبراهيم ناجي، أحمد شوقي، نزار قبّاني.

د. عفاف مبروك ومحمود عاشور كتبا في دراستهما "القصيدة الغزليّة عند أحمد شوقي" أنّ شوقي كان (حرًّا طليقًا، ثمّ أصبح رهين الحبّ. لقد تغيّر حاله من السّعادة إلى القلق والحزن)، وقال شعرًا:

يا حُسنَهُ بَينَ الحِسانْ 

     في شَكلِهِ إِنْ قيلَ بَانْ

كَالبَدرِ تَأخُذُهُ العُيونُ 

      وَما لَهُــــنَّ بِـــــهِ يَدانْ

مَلَكَ الجَوانِحَ وَالفُؤادَ  

    فَفــــــي يَدَيهِ الخَافِقانْ

وَمُنايَ مِنهُ نَظرَةٌ   

    فَعَسى يُشيرُ الحاجِبانْ

 

أمّا الشّاعر نزار قبّاني فقد عُرف بشاعر المرأة؛ كونها رافقت جلّ كتاباته، وربما هذا ما أخذه نحو إصدار ديوانه "خمسون عامًا في مديح النّساء".


نزار قباني
نزار قباني

لكنّ ما كتبه لبلقيس حبيبته كان من أجمل ما كتب، فألهمه حضورها وغيابها. حين لبّى نزار الدّعوة لإقامة أمسية شعريّة في عام 1962م رأى بلقيس الرّاوي فهام بها من النّظرة الأولى (التقى نزار قباني ببلقيس الراوي في أمسية شعريّة ليست كبقية الأمسيات، فأعجب بها، حيث نشأت بينهما قصة حبّ ليست كبقية القصص... [تقدّم لخطبتها فرفض والدها، فصيته مع النّساء سبقه إلى بغداد. سافر إلى إسبانيا ديبلوماسيًّا مدة ثلاث سنوات] وكانت الرّسائل الجسر الوحيد الذي يجمع نزار ببلقيس)10. في كتابه "زواج المبدعين ثراء المتخيل وفقر الواقع" كتب الشّاعر شوقي بزيع فصلًا عنوانه "بلقيس الراوي ونزار قباني: قصة حب شائكة أوصلها الموت إلى تخوم الأسطورة". ظلّت جذوة الحبّ مشتعلة بين الشّابين نزار وبلقيس إلى أن عاد للمشاركة في مهرجان المربد عام 1969م. وهناك ألقى قصيدته "إفادة في محكمة الشعر" وفيها قال:

كان عندي هـنا أميرة حبٍّ    ثم ضاعت أميرتي الحسـناء

أين وجهٌ في الأعظميّة حلوٌ   لو رأته تغار منه السّـماء؟11

 

طوق الياسمين.. طريق الآلام

من المعاناة الفرديّة والجمعيّة واختلاطها بالسّياسة والدّين والتّقاليد المجتمعيّة؛ خلق الرّوائيّ واسيني الأعرج عالمًا جاذبًا في روايته "طوق الياسمين" التي كتبها في دمشق والجزائر وباريس بين خريف 1981م وشتاء 2001م، متّكئًا فيها على رسائل ومذكّرات شخصيّتين رئيستين، مريم وعيد عشّاب.

في دمشق، مريم الطّالبة الجزائريّة العشرينيّة الجميلة (الطّفلة المعشوقة الّتي لم يكفها اتساع القلب لاحتضان الدّنيا) تذوب حبًّا في الرّاوي الجزائريّ (الكاتب العاشق الغارق في الأبجديّات الغامضة) ص23. سنة تدوم علاقتهما (هذه السّنة لم تكن مثل السّنة الّتي مضت، فقد مرّت بسرعة وكانت مليئة بالمفاجآت الكبيرة. سنة واحدة معك، وأقلّ من ذلك، كانت كافية لأن تدمّر كل يقينيّاتي بالحياة وتدخلني داخل مسالك ومهالك مدهشة لم أتعوّد عليها) ص27. حين تطلب منه الزواج يرفض. تهدّده بأنّها ستتزوّج من صديقه صالح، لكنّه يتركها تقع فريسة ما لم ترده، زواجها هذا كان بمثابة انتحار تندم عليه لاحقًا، فتعود للقائه ومنه تحمل وتلد، لكنّها تموت هي وطفلتها سارة.



رواية طوق الياسمين لواسيني الأعرج
رواية طوق الياسمين لواسيني الأعرج

في المقابل؛ يعشق الطّالب الجزائريّ عيد عشّاب الطّالبة الدّمشقيّة سيلفيا. وفي أوراقه يحكي عن أوّل مرّة رآها: (عرفت اسمها بعد أن استطعت الخروج من مخبأي من وراء البرادي (الّستائر) الّتي تمكّنني من رؤية سيلفيا وهي تغيّر ثيابها الدّاخليّة. كانت الخطوة جبّارة. دعوتها للقاء خارج البيت بورقة رميتها من شرفتي نحو شرفتها) ص23. ينتهي كلّ شيء بعد علاقة يسكبان فيها أروع اللحظات ويتجرّعان خلالها أقسى العذابات. فالعاشقان الكبيران يعانيان من رفض الدّين علاقتهما، لكونها مسيحية ولكونه مسلمًا - وهو المتيّم بمحي الدّين بن عربي "الشيخ الأكبر". عنوة؛ يزوّجها والدها بابن عمّها، فتستسلم لمصيرها وتنجب منه. وبعد عشرين عامًا؛ تستعيد سيلفيا أوراق حبيبها من صديقه الرّاوي (ارتعشت أناملها وكأنّ برودة قاسية دخلتها فجأة. أغمضت عينيها قليلًا لمقاومة الدّمعات والارتجافات الّتي ارتسمت في المحجرين) ص13.

أمّا عيد الّذي كان الكمد يأكله وحيدًا فيشقى حتّى يموت، تاركًا مذكّراته الّتي تحكي أنّه كان يدرك مصيره المحتوم (رأيت سيّدي الأعظم محي الدّين بن عربيّ مرتديًا لباسًا خيوطه من الحرير الأبيض والفضّة. في يده اليمنى عصا من قصب البامبو، يتّكئ عليها كلّما شعر بالتّعب. طلب منّي أن أتبعه نحو طوق الياسمين أو الباب كما يسمّيه البعض. كنت أعرف أنّه يقودني نحو الموت ولكنّي لم أتردّد لحظة واحدة) ص11. تقول سيلفيا: (هذا هو عيد عشّاب. عندما يشرب العرق يصير حزينًا كالمسيح وصافيًا كدمعة، وخفيفًا كريشة...عشرون سنة وأنا أقاوم عبثًا شططه، وها أنت اليوم تضيف إلى شقائي حزنًا آخر. هو على الأقل ذهب وارتاح. ربما... كم أشتهي أن أنساه لأتفرّغ لابنيّ وأمّي وزوجي، ولكنّي مريضة به ويبدو أنّي سأنقله معي إلى القبر بعد أن سحبته ورائي إلى أكثر الأماكن حميمية) ص14.

وحين يزور الرّاوي قبر حبيبته مريم يُسمعنا مناجاته: (عشرون سنة انطفأت. أشياء كثيرة تغيّرت...شاقّ هو الفراق الأبديّ ومع ذلك علينا أن نتدرّب على النّسيان لنستطيع العيش... شكرًا على صبرك يا مريم. سأرحل. أنا كذلك تعبت. أعرف أنّ الموت لا يتيح فرصًا كبيرة للنّدم ولا للحزن، ومع ذلك سأقول لك عذرًا. عذرًا، فقد تركتك تموتين ولم أعرف كيف أحبّك. تركتك تموتين ولم أعرف كيف أحبّك. تركتك تموتين ولم أعرف...) ص15.

في صفحة ٢٨٦؛ يقدم الرّوائي واسيني الأعرج باقتدار ما كانت تعيشه شخصيّاته من حبّ جارف لم ينتهِ بهم إلى ما أرادوه، إنما يأخذهم إلى منعرجات، واضطّرابات وصراعات مع ذواتهم والمجتمع، ليعرفوا معنى الألم بشقّيه النفسي والجسدي، ويصلوا إلى مطارح يصبح فيها الموت عليهم أرحم من واقعهم. وفي الرّواية أيضًا يحضر ابن عربيّ الأندلسيّ، ليشاطرهم - روحيًّا وفلسفيًّا – حكاياتهم. في "طوق الياسمين"؛ كانت حيوات العشّاق صعبة، أمّا مصائرهم فبدت كلّها ذابحة كسيف.

 

المراجع:

1-         علي بن حزم الأندلسي، طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف، مؤسسة هنداوي، 2014.

2-         د. محمد حسن عبد الله، الحب في التراث العربي، مجلة عالم المعرفة، العدد 36/ 1990.

3-         https://2u.pw/Dk01TOUd

4-         https://2u.pw/9Rh7r21a

5-         https://2u.pw/stXd4B

6-         https://2u.pw/Dk01TOUd

7-         د. محمد حسن عبدالله، الحب في التراث العربي، مجلة عالم المعرفة، العدد 36/ 1990.

8-         د. محمد عباسة، حب الآخر في الشعر الأندلسي والبروفنسي، جامعة مستغانم، الجزائر، 2005.

9-         عفاف مبروك - محمود عاشور، القصيدة الغزلية عند أحمد شوقي - دراسة في المضمون، مجلة کلية الآداب، جامعة المنصورة، 2017.

10-   مجاهدي فايزة، بن اعمر محمد، المرأة في شعر نزار قباني - قصيدة بلقيس أنموذجاً، مجلة البدر، مجلد 10، عدد 09، 2018.

12-   واسيني الأعرج، طوق الياسمين، المركز الثقافي العربي، 2004.

 

 

 

 

 

 

٠ تعليق

Comments


bottom of page