top of page
صورة الكاتبSeagulls Post Arabic

ياسر الأطرش: أحاول أن أجعل العالم أقلَّ قبحاً وأكثر جمالاً - حاورته هندة محمد


الشاعر والإعلامي السوري ياسر الأطرش
الشاعر والإعلامي السوري ياسر الأطرش

ياسر الأطرش: أحاول أن أجعل العالم أقلَّ قبحاً وأكثر جمالاً - حاورته هندة محمد

·      معظم الناس يحبون الوهم ويشترونه.. ولستُ بائع وهم 

·      ليس بالضرورة أن يشتغل الشاعر بالسياسة أو يشتبك معها مباشرة

·      الزيف الثقافي والعلمي تمدد فوق ما ينبغي.. ويجب إيقافه

 


هندة محمد - تونس
هندة محمد - تونس

حاورته هندة محمد - تونس

" محبّة، خير، حقّ، معرفة " هذا هو دينه وهذه هي دربه التي لا يحيد عنها

شاعر كبير بحرفه العذب العميق الثّائر على كلّ قبيح ومشوّه، بإحساسه العالي وروحه الجميلة وفكره الواعي المنفتح على الإنسان في كلّ زمان ومكان

إنسان يفيض بالنبل المتمرد والرقّة القاسية، كقصائده التي تشبهه؛ عميقة، عذبة، ثائرة وموغلة في الطّهر والنّور والعلوّ.

يكتب نصوصه بماء الرّوح، كلماته التي تقطر عشقًا ونورًا لا تملك إلاّ أن تقف أمامها مصغيًا بكلّ خلاياك لتحفر مكانًا لها هناك في أقاصي جهات القلب.

 بشهادة كثير من الشّعراء والنّقّاد، هو أحد أبرز شعراء سوريا المعاصرين.

ياسر الأطرش شاعر، وإعلاميّ، من مواليد مدينة سراقب في محافظة إدلب السّوريّة، صدر له مجموعة مهمة من الكتب آخرها "أكاذيب نحبّها" عن دار مدارك السّعوديّة للنّشر. وهو معدّ ومقدّم برنامج ضمائر متّصلة في تلفزيون سوريا.

 

· ياسر الأطرش شاعرٌ يكتب قصائده بماء المحبّة المقدّس، حدّثنا عنك وعن رؤيتك للشّعر في زمن الفوضى؟

أنا رجل يحاول أن يجعل العالم أقلَّ قبحاً وأكثر جمالاً.. أدخل هذا الحلم من بوابة الفن والأدب، وهي البوابة التي طالما لجأ إليها الناس لتجميل واقعهم.. الإنسان يطغى ما إن اقتدر، وفي كل زمن سنجد ذلك المقتدر..

دورنا في الهامش مهم جداً، المتن يسيطر عليه السياسيون والاقتصاديون، نحن نعمل في الهامش، ولكننا لسنا هامشيين، بمعنى أن جهدنا ومقاومتنا لبشاعة العالم تثمر احتمالات الاستمرار، الفن والأدب ضمانة القدرة على البقاء في العالم البارد، وأذكِّر هنا بمقولة "الأمة التي ليس لديها شعراء، تموت من البرد".

 يقوم مشروعي المعرفي الجمالي على حاملين: الإنتاج الشعري، والإنتاج الإعلامي، وفي كليهما أتوخى قيم المحبة والحق والخير والتنوير والجمال، غير عابئٍ بالمردود المادي أو الجماهيري، فأنا أحاول قول الحقيقة، أو ما أراه أقرب للحقيقة، ومعظم الناس يحبون الوهم ويشترونه، أنا لست بائع وهم. 


ياسر الأطرش يتسلم تكريما على المنصة

 

· عن معرّة النّعمان وعن سراقب الجميلة كتبت.. فأيّ الأوطان أحبّ إلى الشّاعر، ذلك الذي ولد فيه أم الذي يصنعه بخياله؟

*كتبتُ مؤخراً قصيدة سميتها "البيت"، أبكت معظم من سمعوها، لأنني بلا بيت أكتب عن البيت الذي هو الوطن والملاذ.. المعنى، كنتُ في اغترابٍ داخلي وأنا في وطني، وبعد 2011 عندما اضطررت إلى مغادرة سوريا، صرت في غربة واغتراب.. أنا ابن سراقب، لا أستطيع أن أتخيل عالماً أجمل، أو لا أريد أن أتخيل.


"حاراتُ إسطنبولَ مغريةٌ

 

ينامُ العاشقونَ ولا تنامُ

 

كأنها موصولةٌ بالغيبِ

 

لكنْ

 

حضنُ ضيعتنا الصغيرُ

 

يظلُّ أوسعَ

 

فهو يحتضن المدى

 

ويحدُّ أطراف الضياءِ

 

ولا يخون الراحلينْ"

 

هذا بعضٌ من قصيدة تبيِّن انتمائي، أنا كثير الكتابة عن الوطن، المنفى، الشتات، البيت... لأنني مسكون باغتراب داخلي ممتد لن ينتهي في أي مستقر، حلم بناء الوطن المُشتهى يراودني بلا انتهاء، ولكنني أحب سراقب.

 

لن أخون رسالتي

 

·  يغلب على قصائدك العذوبة القاسية والهدوء المتمرّد أيّ وصفة تعتمدها لتحفر حروفك في قلوب محبّيك؟

أعتمد الصدق والتصعيد العاطفي، لا أكتب تلبية لطلب الجمهور في لحظة معينة أو بدفع من نسق فكري أو سياسي، أكتب نفسي وأكتب الناس، لذلك سماني بعضهم "شاعر الناس".

أمقت الشعر الخشبي، الوعظي، الموجّه حزبياً، أكره المديح، المديح يذهب بالمروءة.. أنا لا أمدح إلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والمعري وأبي. الزهد حرية، والاستغناء حرية، وهذا بيدنا، يمكن أن نكون أحراراً بقدر كبير إذا استغنينا وكنا مستقلين، وأنا مستقل، أنتمي للناس وحسب، ولن أغير انتمائي، ومع هذا فأنا لا أبيع الوهم للناس، كما قلت، أصدمهم بالحقائق لأنني أحبهم ولن أخون رسالتي لهم.

 


كتاب أكاذيب نحبها للشاعر ياسر الاطرش

· " كلّ فنّ يخلو من الإمتاع أولى به أن يخرج من سياق القلوب والعقول" هكذا أجبت عندما سُئلت عن كتابك " أكاذيب نحبّها" حدّثنا عن هذه التّجربة؟

"أكاذيب نحبها" كتاب ساحر، أحبه كثيراً وأعتز به، هو أول مؤلف لي خارج الشعر، وإن كان على صلة وثيقة به. عبارة عن توثيق وتحقيق لبعض القصائد الشهيرة في تراثنا العربي، ووضعها في حجمها وسياقها التاريخي الصحيح، (فلا تعلق قلبي طفلة عربية لامرئ القيس، ولا صوت صفير البلبل للأصمعي.. ومن هذا كثير)، والجديد أن الكتاب ينتهج أسلوب القص الماتع في التحقيق، كما يضم عشرات قصص القصائد الطريفة. 

 

• عن نزار قبّاني قلت مرّة "إنّه شاعرٌ جبان وأنّ شجاعته فقط على الورق" هل الشّاعر مطالب بتقمّص دور البطل؟ ألن يُعدّ ذلك تهوّرًا منه وحيادًا عن طريق الشّعر المسالم؟

 

هذا ما قالته هدباء ابنة نزار عن أبيها.. كان رجلاً هادئاً مسالماً روتينياً في حياته العادية.. الشاعر بطل في كل الأحوال: بطل في اجتراح لغة جديدة، وأساليب جديدة، وفي مقاومة المستبدين، في إقناع العيون بأنها تقاوم المخرز، ليس بالضرورة أن يشتغل الشاعر بالسياسة أو يشتبك معها مباشرة، فهذا شأن السياسي يخصه وحده، أما المواقف الأخلاقية فليست حرية أو رفاهية.. إنه حق الشعر وحق الناس وحق الحياة على الشعر والشاعر.

 

•  "شام" ابنتك تحظى بعناية أكيدة من والديها الشّاعرين. هل فُرض الأمر عليها فرضًا، أم اختارت طريق الشّعر؟

شام، طفلتي الوحيدة، عاشت في تركيا منذ عمر السنتين، لغتها الأم التركية، وثقافتها هجينة، هذا عذاب وجحيم لملايين السوريين الذين اضطروا إلى مغادرة وطنهم.. الفروق اللغوية والثقافية بين الآباء والأبناء قاتلة.. ولأن "كل فتاة بأبيها معجبة" أحبت شام الشعر، وتشجعت لإلقائه، بدأت منذ سن السادسة، وتميزت جداً، حصدت أربع جوائز في إلقاء الشعر للأطفال، ثلاثة منها من مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وبمشاركة نحو 6 آلاف طفل، هي كذلك متميزة في إلقاء الشعر التركي، تتقن التركية كلغة أم، وتجيد الإنكليزية جيداً، وتواصل تعلم العربية، ندعمها ونشجعها جداً.. ولكن الأمر ليس سهلاً، نحو 70% من الأطفال السوريين في المنافي لا يتقنون العربية قراءة وكتابة! نحن أمام كارثة ثقافية حقاً. أرى أن شام في هذه المرحلة تحب إلقاء الشعر، ولكنها تميل إلى السرد أكثر، بدأت تظهر لديها موهبة الكتابة، سأراقب وأدعم كل ما تريد.

 


ياسر الأطرش

· على ذكر "شام" والأجيال الجديدة.. ما رأيك في مناهجنا المدرسيّة والهوّة السّحيقة بينها وبين الشّعر المعاصر؟

بدأت بعض الدول بمواكبة الإنتاج الشعري الجديد والمعاصر في مناهجها التعليمية، نرى هذا في دول الخليج العربي أكثر من غيرها، كما نرى أن عشرات شهادات الماجستير والدكتوراة صارت تُمنح لدراسات في شعر شعراء معاصرين، أنا مثلاً مُنحتْ خمسُ رسائل ماجستير في شعري، في ثلاث دول عربية. 

الصحيح والمنطقي هو المواءمة في المناهج ما بين القديم والجديد، وطرح الأساليب والأشكال الشعرية كلها، على أن تكون القيمة الأدبية والجمالية هي المحدد، ولا شيء آخر.

 

· هل تحتاج الكتابة للأطفال إلى صنعة وتقنيات معيّنة أم أنّها تحتاج أكثر إلى المحبّة؟

لستُ متخصصاً في أدب الطفل، وإن كنت قد اشتغلت فيه قليلاً، ونشرت بعض النصوص التي حاز بعضها على جوائز. أعتقد أن الكتابة للطفل تحتاج أن نكون أطفالاً في المقام الأول، ومن ثم أن نُلمَّ بعلم نفس الطفل واحتياجاته، وآليات تفكيره، ونظرته للعالم والأشياء.. كما أن المعاصرة مهمة جداً وحاسمة، للأسف، كثيرٌ ممن يكتبون للطفل ما زالوا يكتبون بأسلوب الوعظ والتوجيه، وهذا عفا عليه الزمن وتجاوزه أطفال المرحلة الذين صاروا يناقشوننا بحقوق الطفل وهم في السادسة من عمرهم!

 


ديوان عمر مستأجر لياسر الأطرش

المثقف والسياسي

· برأيك هل نحن اليوم بحاجة أكثر إلى مثقّف واع أم إلى سياسيّ واع؟

وكأنك تطلبين المستحيل! سياسيٌّ واعٍ؟ لا شك أنه موجود وبكثرة، ولكنه لن يستحضر وعيه في المنصب، وإنما سيستحضر المصلحة، هذه هي السياسة.. أما المثقف الواعي فهو موجود دائماً، وأيضاً يكمن الامتحان في تقديم وعيه على مصلحته، وهي هنا مصلحة شخصية.

يبذل السياسيون كل جهد ليدخلوا جنة الأدب! نعم إنهم يحلمون بجمع أطراف المجد التي لا تكتمل إلا ببصمة الإبداع، ولكنهم بقوا في مكان آخر بعيداً من هامش الجمال الذي يفترشه المبدعون.


· "ضمائر متّصلة" من أهمّ البرامج الثّقافيّة، كيف استطعت المحافظة على نجاحه؟

 الأمر كان صعباً، سنطلق الآن الموسم السادس، وهذا ليس سهلاً لبرنامج ثقافي.. دائماً يسألني الأصدقاء: من أين تأتي بموضوعات جديدة وساخنة وحيوية؟ الأمر يتعلق بمستويات عدة: الحرية الممنوحة للبرنامج بلا سقف، لا أحد يمارس رقابة من أي نوع على ضمائر متصلة، إطلاقاً.. ثانياً: زميلي منتج البرنامج أحمد عمقية، خير عون وسند، شاب ذكي حيوي يساعد كثيراً.. ثالثاً يأتي دوري، أنا أعد البرنامج وأقدمه، أعمل كثيراً، أتابع مستجدات الساحة الثقافية، ألاحق التراث، أقرأ بلا ملل، أحاول إيجاد همزة وصل في موضوعات البرنامج بين الفكرة وواقع الناس، لا أحب التنظير في الفراغ.. الناس تبحث عن المعنى، وضمائر يقدم المعنى بلا مجاملات ولا تجميل ولا ضحك على العقول.. ربما كنت قاسياً في محاربة الفوضى والزيف، نعم أعترف، ولكنني سأبقى كذلك. الزيف الثقافي والعلمي تمدد فوق ما ينبغي، يجب إيقافه.

 

· في ضوء تجربتك الإعلامية.. يبدو المشهد الإعلاميّ العربيّ اليوم متذبذبًا ولا يحمل رؤية واضحة.. كيف يؤثّر ذلك على المبدع العربيّ؟

المشهد الإعلامي العربي والعالمي يرسمه اثنان: الساسة والممولون، لا وجود لإعلام حر، هذه كذبة تافهة وممجوجة، ولكن أيضاً، من العدل القول إن الأمر نسبي..

ويبقى انتقاد "الممول" أو المتحكم أمراً مستحيلاً.. لكن هل كان هذا موجوداً عبر التاريخ؟ سؤال الحريات سؤال تاريخي وليس سياسياً، يكفي الإعلامي اليوم شرفاً ألا ينافق أو يطبِّلَ أو يكون أجيراً.


· بودكاست وكثير من المهرجانات الشّعريّة.. حدثنا عن جديدك؟

بعد توقف جزئي لنحو 10 سنوات عن المشاركات الفاعلة في المهرجانات الأدبية العربية، قررت العودة، كنتُ منشغلاً بأعمال وطنية غير سياسية طبعاً، ومنشغلاً ببناء هويتي الإعلامية كذلك، الآن عدتُ إلى المشهد بشوق وحب، قابله الجمهور بحب أكبر. علاقتي مع الناس مثالية، متنها وهامشها المحبة، خلال الشهور القليلة الماضية دُعيت أكثر من مرة إلى السعودية والكويت، وكانت أمسياتي وندواتي هناك مكتنزة معرفةً وجمالاً بطله الجمهور، وفي القريب هناك دعوات كثيرة، سأحاول تلبية معظمها بكل حب.


· أخيرًا، ماذا تقول للإنسان والأديب العربيّ في هذه الفترة الخطيرة التي نعيشها اليوم؟

*العالم يتغير، : حروب، أوبئة، طغيان، عبودية حديثة مغلفة بالوظيفة! رغم كل هذا، يمكن أن نكون إنسانيين ومبدئيين وأخلاقيين، الأمر يتعلق ببذل جهد أكبر مقابل مكاسب أقل، وربما أُسأل هنا: هل فعلتَ أنت ذلك؟ نعم، أنا فعلتُ ذلك وسأبقى عليه إلى أن أغادر هذا العالم.  وما اكتسبتُ الحرية إلا بالاستغناء.


٠ تعليق

Comments


bottom of page